Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 276-276)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وكلمة " يمحق " من " محق " أي ضاع حالاً بعد حال ، أي لم يضع فجأة ، ولكن تسلل في الضياع بدون شعور ، ومنه " المحاق " أي الذهاب للهلال . " ويمحق الله الربا " أي يجعله زاهياً أمام صاحبه ثم يتسلل إليه الخراب من حيث لا يشعر . ولعلنا إن دققنا النظر في البيئات المحيطة بنا وجدنا مصداق ذلك . فكم من أناس رابوا ، ورأيناهم ، وعرفناهم ، وبعد ذلك عرفنا كيف انتهت حياتهم . { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَات } [ البقرة : 276 ] ويقول في آية أخرى : { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ … } [ الروم : 39 ] . فإياكم أن تعتقدوا أنكم تخدعون الله بذلك … ما هو المقابل ؟ { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } [ الروم : 39 ] . و " المضعفون " هم الذين يجعلون الشيء أضعافاً مضاعفة . وعندما يقول الحق : { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا } [ البقرة : 276 ] فلا تستهن بنسبة الفعل لله إن نسبة الفعل لفاعله يجب أن تأخذ كيفيته من ذات الفاعل ، فإذا قيل لك : فلان الضعيف يصفعك ، أو فلان الملاكم يصفعك ، فلابد أن تقيس هذه الصفعة بفاعلها ، فإذا كان الله هو الذي قال : { يَمْحَقُ ٱللَّهُ } [ البقرة : 276 ] . أيوجد محق فوق هذا ؟ لا ، لا يمكن . وأيضاً حين يقول الله : { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَات } [ البقرة : 276 ] في القرآن الذي يُتلى وهو معجز ومحفوظ ومُتحدي بحفظه ، فهذه قضية مصونة { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَات } [ البقرة : 276 ] لأن الذي قالها هو الله في كتاب الله المحفوظ ، الذي يُتلى مُتَعَبَّداً به ، أي أن القضية على ألسنة الجماهير كلها ، وفي قلوب المؤمنين كلها ، أيقول الله قضية يحفظها ذلك الحفظ ليأتي واقع الزمن ليكذبها ؟ لا ، لا يمكن . فالإنسان لا يحفظ إلا المستند الذي يؤيده ! ! أنا لا أحفظ إلا " الكمبيالة " التي تخصني ! فما دام هو حافظه وهو القائل : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] . فمعنى ذلك أنه سبحانه سيطلق فيه قضايا ، وهذه القضايا هو الذي تَعهد بحفظها ، ولا يتعهد بحفظها إلا لتكون حجة على صدقه في قولها . فالشيء الذي لا يكون فيه حُجة لا نحافظ عليه . وهو سبحانه القائل : { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 173 ] . إن هذه قضية قرآنية تعهد الله بحفظها ، فلابد أن يأتي واقع الحياة ليؤيدها ، فإذا كان واقع الحياة لا يؤيدها ، ماذا يكون الموقف ؟ أنكذب القرآن - وحاشانا أن نكذب القرآن - الذي قاله الحق الذي لا إله سواه ليُدير كوناً من ورائه . { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَاتِ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } [ البقرة : 276 ] . ولماذا قال الحق : " كفار " ولم يقل : " كافر " ، ولماذا قال : " أثيم " وليس مجرد " آثم " ؟ لأنه يريد أن يرد الحكم على الله وما دام يريد أن يرد الحكم على الله ، فقد كفر كفرين اثنين : كفر لأنه لم يعترف بهذه ، وكفر لأنه ردّ الحكم على الله ، وهو " أثيم " ، ليس مجرد " آثم " ، وفي ذلك صيغة المبالغة لنستدل على أن القضية التي نحن بصددها قضية عمرانية اجتماعية كونية ، إن لم تكن كما أرادها الله فسيتزلزل أركان المجتمع كله . وبعد أن شرح لنا الحق مرارة المبالغة في " كفار " وفي " أثيم " يأتي لنا بالمقابل حتى ندرك حلاوة هذا المقابل ، ومثال ذلك ما يقول الشاعر : @ فالـوجه مـثل الصـبح مـبـيضّ والشـعر مـثل اللـيل مسـودُّ ضـدّان لمـا اسـتـجـمـعا حَسُنا والضـد يظـهر حسـنَه الضدُّ @@ فكأن الله بعد أن تكلم عن الكَفَّار والأثيم يرجعنا لحلاوة الإيمان فيقول : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ … } .