Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 279-279)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في هذه الآية قضية كونية يتغافل عنها كثير من الناس . لقد جاء نظام ليحمي طائفة من ظلم طائفة ، ولم يأت هذا النظام إلا بعد أن وجدت طائفة المرابين الذين ظلموا طائفة الفقراء المستضعفين . وحَسْبُ هؤلاء المستضعفين الذين استغلوا من المرابين أن ينصفهم القرآن وأن يُنهي قضية الربا إنهاءً يعطي الذين رابوا ما سلف لأنهم بنوا حياتهم على ذلك . و " فأذنوا بحرب " كلمة الألف والذال والنون من " الأذن " وكل المادة مشتقة من " الأذن " و " الأُذن " هي الأصل الأول في الإعلام لأن الإنسان ليس مفروضاً أنه قارئ أولاً ، إنّه لا يكون قارئاً إلا إذا سمع ، إذن فلا يمكن أن ينشأ إعلام إلا بالسماع . والحق سبحانه وتعالى حينما تكلم عن أدوات العلم للإنسان قال : { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ النحل : 78 ] . ولذلك عندما جاء علم وظائف الأعضاء ليبحث ذلك وجدوها طبق الأصل كما قال الله عنها . فالوليد الصغير حين يولد إن جاء أصبع إنسان عند عينيه فلا يهتز له رمش لأن عينه لم تؤد مهمتها بعد ، ولكن إن تصرخ بجانب أذنه فإنه ينفعل . وعرفنا أن أول أداة تؤدي مهمتها بالنسبة للإنسان الوليد هي أذنه ، وهي أيضاً الأداة التي تؤدي مهمتها بالنسبة للإنسان مستيقظاً كان أو نائماً . إن العين تغمض في النوم فلا ترى ، لكن الأذن مستعدة طوال الوقت لأن تسمع لأنها آلة الاستدعاء . إذن فمادة " الأَذَان " و " الأُذُن " كلها جاءت من مهمة السمع ، وقال الله سبحانه وتعالى : { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } [ الانشقاق : 5 ] . ما معنى أذنت ؟ . أنت حين تسمع من مساو لك ، فقد تنفذ وقد لا تنفذ ، لكن حين تسمعه من إله قادر فلا مناص لك إلا أن تنفذ ، فكأن الله يقول : إن الأرض تنشق حين تسمع أمري بالانشقاق . فبمجرد أن تسمع الأرض أمر الحق فإنها تفعل ، وحق لها أن تفعل ذلك إنها أذنت لأمر الله ، أي خضعت لأن القائل لها هو الله . إذن كل المادة هنا جاءت من " الأذن " . ولذلك فالله يقول لمن لا يفعل ما أمر به الله في الربا { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [ البقرة : 279 ] . أما حرب الله فلا نقول فيها إلا قول الله : { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ … } [ المدثر : 31 ] . ولا يستطيع أحد أن يحتاط لها . وأما حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه هي الأمر الظاهر . كأن الله سبحانه وتعالى يجرد على المرابين تجريدة هائلة من جنوده التي لا يعلمها إلا هو ، وحرب رسول الله جنودها هم المؤمنون برسوله ، وعليهم أن يكونوا حرباً على كل ظاهرة من ظواهر الفساد في الكون ليطهروا حياتهم من دنس الربا . وهكذا وضع الله نهاية لأسلوب التعامل ، حتى يتطهر المال من ذلك الربا ، فإذا قال الحق : { فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } [ البقرة : 279 ] فمعنى هذا أنه سبحانه يبين لنا بهذا القول أنه لا حق للمرابين في ضعف ولا ضعفين ، ولا في أضعاف مضاعفة . وحينئذ " لا تظلمون " من رابيتم ، بأن تأخذوا منهم زائداً عن رأس المال . ولكن ما موقع " ولا تظلمون " ، ومن الذي يظلمهم ؟ قد يظلمهم الضعيف الذي ظُلِمَ لهم سابقاً ، ويأخذ منهم بعض رأس المال بدعوى أنهم طالما استغلوه فأخذوا منه قدراً زائداً على رأس المال . إن المشرع يريد أن يمنع الظالم السابق فينهي ظلمه ، وأن يسعف المظلوم اللاحق فيعطيه حقه ، وهو سبحانه لا يريد أن يوجه ظلماً ليستغل به من ظُلم فيظلم الذي ظلمه أولاً ، بل سبحانه يشاء بهذا الحكم أن ينهي هذا النوع من الظلم على إطلاقه ، وأن يجعل الجميع على قدر سواء في الانتفاع بمزايا الحكم . وكثير من النظريات التي تأتي لتقلب نظاماً في مجتمع ما تعمد إلى الطائفة التي ظَلَمَت ، فلا تكتفي بأن تكفها عن الظلم ، ولكن تمكن للمظلوم أن يظلم من ظلمه ، وذلك هو الإجحاف في المجتمع ، وهذا ما يجب أن يتنبه إليه الناس جيداً لأن الله الذي أنصفك أيها المظلوم من ظالمك ، فمنع ظلمه لك ، هنا يجب أن تحترم حكمه حينما قال : " فله ما سلف " وبهذا القول انتهت القضية . ويستأنف سبحانه الأمر بعدالة جديدة تجمعك وتجمعه على قدم المساواة بدون ظلم منك أيها المظلوم سابقاً بحجة أنه طالما ظلمك . والمجتمعات حين تسير على هذا النظام " لا تظلمون ولا تظلمون " إنما تسير على نمط معتدل لا على ظلم موجه . فنحن نعيب على قوم أنهم ظلموا ، ثم نأتي بقوم لنجعلهم يَظْلِمون ، لا … إن الجميع على قدم المساواة من الآن . وفساد أي نظام في المجتمع يأتي من توجيه الظلم من فئة جديدة إلى فئة قديمة ، فبذلك يظل الظلم قائماً ، طائفة ظَلَمَت ، وتأتي طائفة كانت مظلومة لتظلم الطائفة الظالمة سابقاً ، نقول لهم : ذلك ظلم موجه ، ونحن نريد أن تنتظم العدالة وتشمل كل أفراد المجتمع بأن يأخذ كل إنسان حقه ، فالذي ظَلَمَ سابقاً منعناه من ظلمه ، والمغلوب سابقاً أنصفناه ، وبذلك يصير الكل على قدم المساواة ليسير المجتمع مسيرة عادلة تحكمه قضية إيمانية . إننا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه . وبعد ذلك يجيء القرآن ليفتح باباً جديداً من الأمل أمام المظلومين . وليضع حداً للذين كانوا ظالمين أولاً ، وحكم لهم برأس المال ومنعهم من الزائد على رأس المال ، فَحَنَّن قلوبهم على هؤلاء . أَيْ ليست ضربة لازب أن تأخذوا رأس المال الآن ، ولكن عليكم أن تُنْظِروا وتمهلوا المدين إن كان معسراً ، وإن تساميتم في النضج الإيماني اليقيني وارتضيتم الله بديلاً لكم عن كل عوض يفوتكم ، فعليكم أن تتجاوزوا وتتنازلوا حتى عن رءوس أموالكم التي حكم الله لكم بها لترتفعوا بها وتهبوها لمن لا يقدر . فيأتي قول الحق : { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ … } .