Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 45-45)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد أن بين الحق سبحانه وتعالى أن الإيمان قدوة ، وبعد أن لفتنا إلى أن التوراة تطالب اليهود بأن يؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام . يطلب الله سبحانه وتعالى الاستعانة بالصبر والصلاة ، ومعنى الاستعانة بالصبر أن هناك أحداثاً شاقة ستقع . وأن المسألة لن تكون سهلة ، بل تحتاج إلى جهد . فالصبر معناه حمل النفس على أمر صعب ، وهم ماداموا قد تعودوا على شراء آيات الله بثمن قليل … لأنهم قلبوا الصفقة ، فجعلوا آيات الله ثمناً لمتع الدنيا . واشتروا بها متعهم وملذاتهم . وبعد أن تعودوا على الربا وغيره من وسائل الكسب الحرام لابد أن يستعينوا بالصبر إذا أرادوا العودة إلى طريق الإيمان . وكما قلنا ، فإن المسألة ليست بخصوصية الموضوع ولكن بعموم السبب . فإنها موجهة للجميع . فكل مؤمن يدخل منهج الإيمان محتاج إلى الاستعانة بالصبر ليحمل نفسه على مشقة المنهج وتكاليفه . وليمنع نفسه عن الشهوات التي حَرَّمها الله سبحانه وتعالى . والصبر في الآية الكريمة فسره بعض العلماء بأنه الصيام ، فكأن الله تعالى يأمرهم أن يجوعوا ويصبروا على ألم الجوع . ومشقة الإيمان والصلاة كما قلنا خشوع وخضوع وذلة لله … تنهي استكبارهم بأن يؤمنوا بدين لم ينزل على أحد من أحبار اليهود . والحق سبحانه وتعالى يقول : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ } [ البقرة : 45 ] . ويطلب الحق في قوله : { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ } [ البقرة : 45 ] الاستعانة بشيئين هما الصبر والصلاة . وكان سياق الآية يقتضي أن يقال : " وأنهما " لكن القرآن قال : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ } [ البقرة : 45 ] فهل المقصود واحدة منهما . الصلاة فقط . أم الصبر ؟ نقول إنه عندما يأتي أمران منضمان إلى بعضهما لا تستقيم الأمور إلا بهما معاً … يكونان علاجاً واحداً … واقرأ قوله تعالى : { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } [ التوبة : 62 ] . فقال يرضوه ولم يقل يرضوهما . نفس التفسير السابق نفهمه : ليس لله حق ولرسوله حق . ولكن الله ورسوله يلتقيان على حق واحد . وكذلك قوله تعالى : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً … } [ الجمعة : 11 ] . وكان المفروض أن يقال إليهما . ولكن التجارة واللهو لهما عمل واحد هو شغل المؤمنين عن العبادة والذكر : { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ } [ البقرة : 45 ] لأن العلاج في الصبر مع الصلاة . والصبر كبير أن تتحمله النفس ، وكذلك الصلاة لأنهما يأخذان من حركة حياة الإنسان . والصبر هنا مطلوب ليصبروا على ما يمتنعون عنه من نعيم الدنيا وزخرفها . والصلاة تحارب الاستكبار في النفس ، فكأن الوصفة الإيمانية لا تتجزأ . فلا يتم الصبر بلا صلاة ، ولا تتقن الصلاة إلا بالصبر . وقوله تعالى : { إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ } [ البقرة : 45 ] … ما معنى الخشوع ؟ الخشوع هو الخضوع لمَنْ ترى أنه فوقك بلا منازع . فالناس يتفاوتون في القيم والمواهب ، وكل واحد يحاول أن يفاخر بعلوه ومواهبه ، ويقول : أنا خير من فلان ، أو أنت خير من فلان . إذن فمن الممكن أن يستكبر الإنسان بما عنده . ولكن الإنسان يخضع لمَنْ كانت له حاجة عنده لأنه لو تكبر عليه أتعبه في دنياه . ولذلك أعطى الله سبحانه وتعالى للناس المواهب على الشيوع والخشوع على الشيوع . فكل إنسان منا محتاج للآخر . هذا خشوع على الشيوع . وكل إنسان منا مميز بما لا يقدر عليه غيره . هذه مواهب على الشيوع . هذا في البشر ، أما بالنسبة لله سبحانه فإنه خشوع لمَنْ خلق ووهب وأوجد . والخشوع يجعل الإنسان يستحضر عظمة الحق سبحانه ويعرف ضآلة قيمته أمام الحق سبحانه وتعالى ومدى عجزه أمام خالق هذا الكون . ويعلم أن كل ما عنده يمكن أن يذهب به الله تعالى في لحظة … ذلك أننا نعيش في عالم الأغيار . ولذلك فلنخضع للذي لا يتغير . لأن كل ما يحصل عليه الإنسان هو من الله وليس من ذاته ، والذين يغترون بوجود الأسباب نقول لهم : اعبدوا واخشعوا لواهب الأسباب وخالقها ، لأن الأسباب لا تعمل بذاتها . والله سبحانه وتعالى يجعل الأيام دولاً … أي متداولة بين الناس . إنسان يفاخر بقوته ، يأتي مَنْ هو أقوى منه فيهزمه . إنسان يفاخر بماله ، يضيع هذا المال في لحظة … واقرأ قوله تعالى : { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } [ آل عمران : 140 ] . ولذلك لابد أن نفهم أن الإنسان الذي يستعلي بالأسباب سيأتي وقت لا تعطيه الأسباب . فالإنسان إذا بلغ في عينه وأعين الناس مرتبة الكمال اغتر بنفسه . نقول له : لا تغتر بكمالات نفسك . فإن كانت موجودة الآن ، فستتغير غداً . فالخشوع لا يكون إلا لله . والحق سبحانه وتعالى يقول : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ } [ البقرة : 45 ] مَنْ هم الخاشعون ؟ الخاشع هو الطائع لله . الممتنع عن المحرمات . الصابر على الأقدار الذي يعلم يقينا داخل نفسه أن الأمر لله وحده ، وليس لأي قوة أخرى … فيخشع لمَنْ خلقه وخلق هذا الكون كله .