Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 60-60)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ومعناها : اذكر إذا استسقى موسى لقومه … وهذه وردت كما بينا في عدة آيات في قوله تعالى : { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ … } [ الأعراف : 141 ] . وقول سبحانه : { وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً … } [ البقرة : 51 ] . وقوله جل جلاله : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً … } [ البقرة : 55 ] . وقلنا إن هذه كلها نعم امتن الله بها على بني إسرائيل وهو سبحانه وتعالى يذكرهم بها . إما مباشرة وإما على لسان موسى عليه السلام . والحق يريد أن يذكر بني إسرائيل حينما تاهوا في الصحراء أنه أظلهم بالغمام … وسقاهم حين طلبوا السقيا … ولقد وصلت ندرة الماء عند بني إسرائيل لدرجة أنهم لم يجدوا ما يشربونه … لأن الإنسان يبدأ الجفاف عنده لعدم وجود ماء يسقي به زرعه … ثم يقل الماء فلا يجد ما يسقي به أنعامه … ثم يقل الماء فلا يجد ما يشربه … وهذا هو قمة الجفاف أو الجدب . وموسى عليه السلام طلب السقيا من الله تبارك وتعالى … ولا تطلب السقيا من الله إلا إذا كانت الأسباب قد نفدت … وانتهت آخر نقطة من الماء عندهم فالماء مصدر الحياة ينزله الله من السماء … وينزله نقياً طاهراً صالحاً للشرب والري والزرع وسقيا الأنعام . والحق سبحانه وتعالى جعل ثلاثة أرباع الأرض ماء والربع يابساً … حتى تكون مساحة سطح الماء المعرضة للتبخّر بواسطة أشعة الشمس كبيرة جداً فتسهل عملية البخر فإنك إذا جئت بكوب ماء وتركته في حجرة مغلقة لمدة يومين أو ثلاثة . ثم عدت تجده ناقصاً قيراطاً أو قيراطين . ولكن إذا أمسكت ما في الكوب من ماء وألقيته على أرض الحجرة … فإنه يجف قبل أن تغادرها لماذا ؟ … لأن مساحة سطح الماء هنا كبيرة ، ولذلك يتم البخر بسرعة ولا يستغرق وقتاً . هذه هي النظرية نفسها التي تتم في الكون . الله تبارك وتعالى جعل سطح الماء ثلاثة أرباع الأرض ليتم البخر في سرعة وسهولة … فيتكون السحاب وينزل المطر نأخذ منه ما نحتاج إليه ، والباقي يكون ينابيع في الأرض ، مصداقاً لقوله تبارك وتعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي ٱلأَرْضِ … } [ الزمر : 21 ] . هذه الينابيع تذهب إلى أماكن لا يصلها المطر . ليشرب منها الناس مِمّا نُسميه الآبار أو المياه الجوفية … وتشرب منها أنعامهم … فإذا حدث جفاف يخرج الناس رجالاً ونساء وصبياناً وشيوخاً . يتضرعون إلى الله ليمطرهم بالماء … ونحن إذا توسلنا بأطفالنا الرضع وبالضعفاء يمطرنا الله . وبعض الناس يقولون إن المطر ينزل بقوانين علمية ثابتة … يصعد البخار من البحار ويصبح سحاباً في طبقات الجو العليا ثم ينزل مطراً . . تلك هي القوانين الثابتة لنزوله . وأن السحاب لا بد أن يكون ارتفاعه عدد كذا من الأمتار … ليصل إلى برودة الجو التي تجعله ينزل مطراً . ولابد أن يكون السحاب ملقحاً … نقول أن هذا كله مرتبط بمتغيرات . فالريح تهب أو لا تهب . وتحمل السحاب إلى منطقة عالية باردة ولا تحمله وغير ذلك . إذن فكل ثابت محمول على متغير … قد تعرف أنت القوانين الثابتة ، ولكن القوانين المتغيرة لا يمكن أن تتنبأ بما ستفعل ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى : { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } [ الجن : 16 ] . إذن فعوامل سقوط المطر لا تخضع لقوانين ثابتة . ولكن المتغير هو العامل الحاسم . ليسوق السحاب إلى المناطق الباردة وإلى الارتفاع المطلوب ، ولابد أن نتنبه إلى أن هناك قوانين ثابتة في الكون وقوانين تتغير ، وأن القانون المتغير هو الذي يحدث التغيير . وقوله تعالى : { وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } [ البقرة : 60 ] … تدل على أن هناك مُستسقى بفتح القاف وأن هناك مستسقي بكسر القاف … مستسقِي بكسر القاف أي ضارع إلى الله لينزل المطر … أما المستسقَى بفتح القاف فهو الله سبحانه وتعالى الذي ينزل المطر . إن هذا الموقف خاص بالله تبارك وتعالى فلا توجد مخازن للمياه وليس هناك ماء في الأرض … من أنهار أو آبار أو عيون ولا ملجأ إلا الله … فلابد من التوسل لله تبارك وتعالى : " عن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه فقال : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيُسقون " بعض الناس يقولون هذا دليل على أن الميت لا يستعان به … بدليل أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يتوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته ، وإنما توسل بعم رسول الله … نقول وبمن توسل عمر ؟ … أتوسل بالعباس أم بعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ … توسل بالرسول ، وبذلك أخذنا الحجة أن الوسيلة ليست مقصورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم … وإنما تتعدى إلى أقاربه . وهنا يأتي سؤال لماذا نقل الأمر من رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى عم الرسول ؟ … نقول لأن رسول الله قد انتقل ولا ينتفع الآن بالماء … ولكن عمه العباس هو الحي الذي ينتفع بالماء … لذلك كان التوسل بعم رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولم يكن منطقيا أن يتوسلوا برسول الله عليه الصلاة والسلام وهو ميت ولا يحتاج إلى الماء … والذين أرادوا أن يأخذوا التوسل بذوي الجاه … نقول لهم أن الحديث ضدكم وليس معكم . . لأنه أثبت أن التوسل جائز بمن ينتسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . لابد أن نتحدث كيف أن الحق سبحانه وتعالى بعد أن قابل بنو إسرائيل النعمة بالجحود والنكران فكيف يسقيهم ؟ … نقول إنها النبوة الرحيمة التي كانت السبب في تنزل الرحمة تلو الرحمة على بني إسرائيل … وكان طمع موسى في رحمة الله بلا حدود … ولذلك فإن الدعوات كانت تتوالى من موسى عليه السلام لقومه … وكانت الاستجابة من الله تأتي . كان من المفروض لاستكمال المعنى أن يقال وإذا استسقى موسى ربه لقومه فقال يا رب اسقهم … ولكن هذه لم تأت حذفت وجاء بعدها الإجابة : { وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ } [ البقرة : 60 ] … إذن قوله يا رب اسق قومي واستجابة الله له محذوفة لأنها مفهومة … ولذلك جاء القرآن باللفتات الأساسية وترك اللفتات المفهومة لذكاء الناس … تماماً كما جاء في سورة النمل : الهدهد ذهب ورأى ملكة بلقيس وعرشها . وعاد إلى سليمان وأخبره . فطلب سليمان من الهدهد أن يلقي إلى ملكة سبأ وقومها كتاباً وقال : { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ * قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } [ النمل : 28 - 29 ] . فسليمان أمر الهدهد أن يلقي كتاباً إلى بلقيس وقومها ، والآية التي بعدها جاءت بقوله تعالى : قالت { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } [ النمل : 29 ] كل التفاصيل حذفت من أن الهدهد أخذ الكتاب وطار إلى ملكة سبأ وألقى الكتاب أمام عرشها … والتقطت بلقيس ملكة سبأ الكتاب وقرأته ، ودعت قومها وبدأت تروي إليهم قصة الكتاب … كل هذا حُذف لأنه مفهوم . قال موسى : يا رب اسق قومي … والله سبحانه وتعالى قال له : إن أردت الماء لقومك … كل هذا محذوف … وتأتي الآية الكريمة : { فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ } [ البقرة : 60 ] . { ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ } [ البقرة : 60 ] لنا معها وقفة … الإنسان حين يستسقي الله … يطلب منه أن ينزل عليه مطراً من السماء ، والحق تبارك وتعالى كان قادراً على أن ينزل على بني إسرائيل مطراً من السماء . ولكن الله جل جلاله أراد المعجزة … فقال سأمدكم بماء ولكن من جنس ما منعكم الماء وهو الحجر الموجود تحت أرجلكم … لن أعطيكم ماء من السماء … ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يُرِي بني إسرائيل مدى الإعجاز … فأعطاهم الماء من الحجر الذي تحت أرجلهم . ولكن مَنْ الذي يتأثر بالضرب : الحجر أم العصا ؟ … العصا هي التي تتأثر وتتحطم والحجر لا يحدث فيه شيء … ولكن الله سبحانه وتعالى أراد بضربة واحدة من العصا أن ينفلق الحجر … ولذلك يقول الشاعر : @ أيا هـازئاً من صـنوف القـدرْ بنفســك تـعنف لا بالقــدرْ ويا ضـارباً صخـرةً بالعصـا ضربْتَ العصا أم ضربْتَ الحجرْ @@ إن انفجار الماء من ضربة العصا دليل على أن العصا أشارت فقط إلى الصخرة فتفجر منها الماء … وحتى لو كانت العصا من حديد … هل تكون قادرة على أن تجعل الماء ينبع من الحجر ؟ فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أنه كان من الممكن أن ينزل الماء من السماء … ولكن الله أرادها نعمة مركبة … ليعلموا أنه يستطيع أن يأتي الماء من الحجر الصلب … وأن نبع الماء من متعلقات " كن " . هنا لابد أن ننظر إلى تعنت بني إسرائيل قالوا لموسى هب أننا في مكان لا حجر فيه . من أين ينبع الماء ؟ … لابد أن نأخذ معنا الحجر حتى إذا عطشنا نضرب الحجر بالعصا … ونسوا أن هناك ما يتم بالأسباب وما يتم بكلمة " كن " ، ولذلك تجد مثلاً كبار الأطباء يحتارون في علاج مريض … ثم يشفى على يد طبيب ناشىء حديث التخرج … هل هذا الطبيب الناشىء يعرف أكثر من أساتذته الذين علموه ؟ … الجواب طبعاً لا . إن التلميذ لا يتفوق على أستاذه الذي علمه فليس العلاج بالأسباب وحدها ولكن بقدرة المسبب … ولذلك جاء موعد الشفاء على يد هذا الطبيب الناشىء ، فكشف الله له الداء وألهمه الدواء . يقول الحق سبحانه وتعالى : { فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } [ البقرة : 60 ] لماذا اثنتا عشرة عيناً . لأن اليهود كانوا يعيشون حياة انعزال . كل مجموعة منهم كانت تسمى " سبطاً " لها شيخ مثل شيخ القبيلة … والحق تبارك وتعالى يقول : { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } [ البقرة : 60 ] أي كل سبط أو مجموعة ذهبت لمشرب … نبعت العيون من الحجر وامتدت متشعبة إلى الأسباط جميعاً كل في مكانه … فإذا ما أخذوا حاجتهم ضرب موسى الحجر فيجف . ولذلك نعرف أن الحجر كان يعطيهم الماء على قدر الحاجة وكانت الجهة السفلى من الحجر الملامسة للأرض … والجهة العليا التي ضرب عليها بالعصا لم ينبع منهما شيء ، أما باقي الجهات الأربع فقد نبع منها كل منها ثلاثة ينابيع . وهناك شيء في اللغة يسمونه اللفظ المشترك … وهو الذي يستخدم في معانٍ متعددة … فإذا قلت سقى القوم دوابهم من العين … العين هنا عين الماء ، وإذا قلت أرسل الأمير عيونه في المدينة يعني أرسل جنوده … وإذا قلت اشتريته بعين أي بذهب … وإذا قلت نظر إليَّ بعينه شذراً أي ببصره … إذن كلمة عين تستخدم في أشياء متعددة ، ومعناها هنا عين الماء الجارية . قوله تعالى : { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } [ البقرة : 60 ] أي أن كل سبط عرف مكانه الذي يلزمه … حتى لا يضيع من كل منهم الماء . . ولكن الإنسان حينما يكون مضطراً يلتزم بما يطلبه الله منه ويكون ملتزماً بالأداء ، فإذا فرج الله كربه وعادت إليه النعمة يعود إلى طغيانه … ولذلك يقول الحق جل جلاله فيها : { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } [ البقرة : 60 ] أي لا يكون شكركم على النعمة بالإفساد في الأرض … واقرأ قوله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ } [ سبأ : 15 - 16 ] . هنا نرى أن أهل سبأ رزقهم الله فأعرضوا عن شكره … كانوا يتيهون بالسد الذي يحفظ لهم مياه الأمطار ، ويمدهم بما يحتاجون إليه منها طوال العام ، وأخذوا يتفاخرون بعلمهم ونسوا الله الذي علمهم … فكان هذا السد هو النكبة أو الكارثة التي أهلكت زرعهم … كذلك حدث لبني إسرائيل ، قيل لهم : { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } [ البقرة : 60 ] . فأفسدوا في الأرض ونسوا نعمة الله فنزل بهم العذاب .