Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 63-63)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يمتنُّ الله سبحانه وتعالى مرة أخرى على بني إسرائيل بالنعم التي أنعم بها عليهم ويذكرهم بجحودهم بها … ولكننا نلاحظ أن القرآن الكريم حينما يتكلم عن اليهود … يتكلم عنهم بالخطاب المباشر … فهل الذين عاصروا نزول القرآن وهم الذين أخذ الله تبارك وتعالى عليهم الميثاق … هؤلاء مخاطبون بمراد آبائهم وأجدادهم الذين عاصروا موسى عليه السلام . نقول إنه كان المطلوب من كل جد أو أب أن يبلغ ذريته ما انتهت إليه قضية الإيمان … فحين يمتن الله عليهم أنه أهلك أهل فرعون وأنقذهم … يمتن عليهم لأنه أنقذ آباءهم من التذبيح … ولولا أنه أنقذهم ما جاء هؤلاء اليهود المعاصرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم … فهم كانوا مطمورين في ظهور آبائهم … ولكي ينقذهم الله كان لابد أن تستمر حلقة الحياة متصلة … فمتى انتهت حياة الأب قبل أن يتزوج وينجب انتهت في اللحظة نفسها حياة ذريته … الشيء نفسه ينطبق على قول الحق سبحانه وتعالى : { وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } [ البقرة : 60 ] … امتنان على اليهود المعاصرين لنزول القرآن … لأنه سبحانه وتعالى لو لم ينقذ آباءهم من الموت عطشاً لماتوا بلا ذرية . إذن كل امتنان على اليهود في عهد موسى هو امتنان على ذريته في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم … والحق سبحانه وتعالى أخذ على اليهود الميثاق القديم ، ولولا هذا الميثاق ما آمنوا ولا آمنت ذريتهم . وقوله تعالى : { وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ } [ البقرة : 63 ] … أي أن الله تبارك وتعالى يذكرهم بأنهم بعد أن نجوا وأغرق الله فرعون وقومه ذهب موسى لميقات ربه ليتلقى عنه التوراة … فعبد بنو إسرائيل العجل . وعندما عاد موسى بالتوراة وبالألواح ، وجدوا في تعاليمها مشقة عليهم … وقالوا نحن لا نطيق هذا التكليف وفكروا ألا يلتزموا به وألا يقبلوه . التكليف هو من مكلف هو الله سبحانه وتعالى … وهم يقولون إن الله كلفهم ما لا يطيقون … مع أن الله جل جلاله لا يكلف نفساً إلا وسعها … هذا هو المبدأ الإيماني الذي وضعه الحق جل جلاله … يظن بعض الناس أن معنى الآية الكريمة : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا … } [ البقرة : 286 ] . يظنون أننا نضع أنفسنا حكماً على تكليف الله … فإن كنا نعتقد أننا نقدر على هذا التكليف نقل هو من الله وإن كنا نعتقد أننا لا نقدر عليه بحكمنا نحن … نقول الله لم يكلفنا بهذا لأنه فوق طاقتنا … ولكن الحكم الصحيح هل كلفك الله بهذا الأمر أو لم يكلفك ؟ إن كان الله قد كلفك فهو عليم بأن ذلك في وسعك لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها . . ونحن نسمع الآن صيحات تقول أن العصر لم يعد يحتمل ، وأن ظروف الدنيا وسرعة الحركة فيها وسرعة الأحداث هي تبرير أنه ليس في وسعنا أن نؤدي بعض التكاليف … ربما كان هذا التكليف في الوسع في الماضي عندما كانت الحياة بسيطة وحركتها بطيئة ومشاكلها محدودة . نقول لمَنْ يردّد هذا الكلام : إن الذي كلفك قديماً هو الله سبحانه وتعالى … إنه يعلم أن في وسعك أن تؤدي التكليف وقت نزوله ، وبعد آلاف السنين من نزوله وحتى قيام الساعة … والدليل على ذلك أن هناك مَنْ يقوم بالتكليف ويتطوع بأكثر منه ليدخل في باب الإحسان ، فهناك مَنْ يصلي الفروض وهي التكليف … وهناك مَنْ يزيد عليها السنن … وهناك مَنْ يقوم الليل … فيظل يتقرب إلى الله تبارك وتعالى بالتطوع من جنس ما فرض … وهناك مَنْ يصوم رمضان ومَنْ يتطوع ويصوم أوائل الشهور العربية … أو كل اثنين وخميس على مدار العام أو في شهري رجب وشعبان … وهناك مَنْ يحج مرة ومَنْ يحج مرات … وهناك من يلتزم بحدود الزكاة ومَنْ يتصدق بأكثر منها . إذن كل التكاليف التي كلفنا الله بها في وسعنا وأقل من وسعنا … ولا يقال إن العصر قد اختلف ، فنحن الذين نعيش هذا العصر … بكل ما فيه من متغيرات نقوم بالتكاليف ونزيد عليها دون أي مشقة ، والله سبحانه وتعالى رفع فوق بني إسرائيل الطور رحمة بهم … تماماً كما يمسك الطبيب المشرط ليزيل صديداً تكوَّن داخل الجسد … لأن الجسد لا يصح بغير هذا . لذلك عندما أراد الله سبحانه وتعالى أن يصيب بفضله ورحمته بني إسرائيل رغم أنوفهم … رفع فوقهم جبل الطور الموجود في سيناء … وقال لهم تقبلوا التكليف أو أطبق عليكم الجبل … تماماً كما أهلك الله تبارك وتعالى الذين كفروا ورفضوا الإيمان وقاوموا الرسل الذين من قبلهم … قد يقول البعض إن الله سبحانه وتعالى أرغم اليهود على تكليف وهو القائل : { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ … } [ البقرة : 256 ] . وقوله تعالى : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ … } [ الكهف : 29 ] . نقول إن الله جل جلاله لم يرغم أحدا على التكليف ، ولكنه رحمة منه خيرهم بين التكليف وبين عذاب يصيبهم فيهلكهم … وهذا العذاب هو أن يُطْبِقَ عليهم جبل الطور … إذن المسألة ليس فيها إجبار ولكن فيها تخيير … وقد خُيِّرَ الذين من قبلهم بين الإيمان والهلاك فلم يصدقوا حتى أصابهم الهلاك … ولكن حينما رأى بنو إسرائيل الجبل فوقهم خشعوا ساجدين على الأرض … وسجودهم دليل على أنهم قبلوا المنهج … ولكنهم كانوا وهم ساجدون ينظرون إلى الجبل فوقهم خشية أن يطبق عليهم . . ولذلك تجد سجود اليهود حتى اليوم على جهة من الوجه … بينما الجهة الأخرى تنظر إلى أعلى وكان ذلك خوفاً من أن ينقض الجبل عليهم … ولو سألت يهودياً لماذا تسجد بهذه الطريقة يقول لك : أحمل التوراة ويهتز منتفضاً … نقول إنهم اهتزوا ساعة أن رفع الله جبل الطور فوقهم … فكانوا في كل صلاة يأخذون الوضع نفسه ، والذين شهدوهم من أولادهم وذريتهم … اعتقدوا أنها شرط من شروط السجود عندهم … ولذلك أصبح سجودهم على جانب من الوجه … ونظرهم إلى شيء أعلاهم يخافون منه … أي أن الصورة التي حدثت لهم ساعة رفع جبل الطور لا زالوا باقين عليها حتى الآن . في هذه الآية الكريمة يقول الحق تبارك وتعالى : { وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ } [ البقرة : 63 ] وفي آية أخرى يقول المولى جل جلاله في نفس ما حدث : { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ الأعراف : 171 ] . " نتقنا " كأن الجبل وتد في الأرض ونريد أن نخلعه … فنحركه يميناً ويساراً حتى يمكن أن يخرج من الأرض … هذه الحركة والزحزحة والجذب هي النتق … والجبل كالوتد تماماً يحتاج إلى هز وزعزعة وجذب حتى يخرج من مكانه … وهذه الصورة عندما حدثت خشعوا وسجدوا وتقبلوا المنهج . يقول الحق سبحانه وتعالى : { خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ } [ البقرة : 63 ] … الأخذ عادة مقابل للعطاء … أنت تأخذ من معطٍ … والتكليف أخذ من الله حتى تعطي به حركة صلاح في الكون … إذن كل أخذ لابد أن يأتي منه عطاء فأنت تأخذ من الجيل الذي سبقك وتعطي للجيل الذي يليك … ولكنك لا تعطيه كما هو ، ولكن لابد أن تضيف عليه . وهذه الإضافة هي التي تصنع الحضارات . وقوله تعالى : { بِقُوَّةٍ } [ البقرة : 63 ] … أي لا تأخذوا التكليف بتخاذل … والإنسان عادة يأخذ بقوة ما هو نافع له … ولذلك فطبيعة مناهج الله أن تؤخذ بقوة وبيقين … لتعطي خيراً كثيراً بقوة وبيقين … وإذا أخذت منهج الله بقوة فقد ائتمنت عليه وأن صدرك قد انشرح وتريد أن تأخذ أكثر … لذلك تجد في القرآن الكريم يسألونك عن كذا … دليل على أنهم عشقوا التكليف وعلموا أنه نافع فهم يريدون زيادة النفع . وما دام الحق سبحانه وتعالى قال : { خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ } [ البقرة : 63 ] … فقد عشقوا التكليف ولم يعد شاقاً على أنفسهم . وقوله تعالى : { وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ البقرة : 63 ] … اذكروا ما فيه أي ما في المنهج وأنه يعالج كل قضايا الحياة واعرفوا حكم هذه القضايا … { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ البقرة : 63 ] أي تطيعون الله وتتقون عقابه وعذابه يوم القيامة .