Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 64-64)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد أن بيّن الحق سبحانه وتعالى لنا كيف أمر اليهود بأن يتذكروا المنهج ولا ينسوه … وكان مجرد تذكرهم للمنهج يجعلهم يؤمنون بالإسلام وبرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه مكتوب عندهم في التوراة ومذكورة أوصافه … ماذا فعل اليهود ؟ يقول الحق تبارك وتعالى : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } [ البقرة : 64 ] … أي أعرضتم عن منهج الله ونسيتموه ولم تلتفتوا إليه … { فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُم مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [ البقرة : 64 ] ما هو الفضل وما هي الرحمة ؟ الفضل هو الزيادة عما تستحق … يقال لك هذا حقك وهذا فضل مني أي زيادة على حقك . عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سدّدوا وقاربوا وأبشروا فإنه لا يُدْخِلُ أحداً الجنةَ عملهُ قالوا : ولا أنت يا رسولَ الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة " فإذا تساءلت كيف يتم هذا ؟ وكيف أنه لا أحد يدخل الجنة بعمله ؟ نقول نعم لأن عمل الدنيا كله لا يساوي نعمة من نعم الله على خلقه فأنت تذكرت العمل ولم تتذكر الفضل … وكل مَنْ يدخل الجنة فبفضل الله سبحانه وتعالى … حتى الشهداء الذين أعطوا حياتهم وهي كل ما يملكون في هذه الدنيا … يقول الحق سبحانه وتعالى عنهم : { فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ آل عمران : 170 ] . فإذا كان هؤلاء الشهداء وهم في أعلى مراتب الجنة قد دخلوا الجنة بفضل الله … فما بالك بمن هم أقل منهم أجراً … والله سبحانه وتعالى له فضل على عباده جميعاً … واقرأ قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } [ البقرة : 243 ] . أما الرحمة فهي التي فتحت طريق التوبة لغفران الذنوب . والله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلى أنه لولا هذا الفضل لبني إسرائيل … ولولا أنه فتح لهم باب الرحمة والمغفرة ليعودوا مرة أخرى إلى ميثاقهم ومنهجهم … لولا هذا لكانوا من الخاسرين الذين أصابهم خسران مبين في الدنيا والآخرة … ولكن الله تبارك وتعالى بفضل منه ورحمة قد قادهم إلى الدين الذي حفظه الله سبحانه وتعالى بقدرته من أي تحريف … فرفع عنهم عبء حفظ الكتاب … وما ينتج عن ذلك من حمل ثقيل في الدنيا … ورحمهم برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله رحمة للعالمين … مصداقاً لقوله تبارك وتعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] . وأعطاهم فضل هذا الدين الخاتم الذي حسم قضية الإيمان في هذا الكون … ومع هذه الرحمة وهذا الفضل … بأن نزل إليهم في التوراة أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وموعد بعثه … فتح لهم باباً حتى لا يصبحوا من الخاسرين … ولكنهم تركوا هذا الباب كما تولوا عن دينهم .