Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 65-65)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد أن بين الله جل جلاله لنا كيف أنه فتح باب الفضل والرحمة لليهود فتركوه … أراد أن يبين لنا بعض الذي فعلوه في مخالفة أوامر الله والتحايل عليها … والله تبارك وتعالى له أوامر في الدين وأوامر تتعلق بشئون الدنيا … وهو لا يحب أن نأخذ أي أمر له يتعلق بالدين أو بالدنيا مأخذ عدم الجد … أو نفضل أمرا على أمر … ولذلك تجد في سورة الجمعة مثلاً قول الحق تبارك وتعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ … } [ الجمعة : 9 - 10 ] . هذان أمران أحدهما في الدين والثاني يتعلق بالدنيا … وكلاهما من منهج الله … فالله لا يريدك أن تتاجر وتعمل وقت الصلاة … ولا أن تترك عملك بلا داع وتبقى في المسجد بعد الصلاة … إذا نودي للصلاة فإلى المسجد … وإذا قضيت الصلاة فإلى السعي للرزق … وهناك يومان في الأسبوع ذكرا في القرآن بالاسم وهما يوم الجمعة والسبت … بينما أيام الأسبوع سبعة ، خمسة أيام منها لم تذكر في القرآن بالاسم … وهي الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس … الجمعة هي عيد المسلمين الذي شرع فيه اجتماعهم في المساجد وأداء صلاة الجماعة … ونلاحظ أن يوم الجمعة لم يأخذ اشتقاقه من العدد … فأيام الأسبوع نسبت إلى الأعداد فيما عدا الجمعة والسبت . لذلك تجد الأحد منسوب إلى واحد والاثنين منسوب إلى اثنين … والثلاثاء منسوب إلى ثلاثة والأربعاء منسوب إلى أربعة والخميس منسوب إلى خمسة … كان المفروض أن ينسب يوم الجمعة إلى ستة ولكنه لم ينسب … لماذا ؟ لأنه اليوم الذي اجتمع فيه للكون نظام وجوده … فسماه الله تبارك وتعالى الجمعة وجعله لنا عيداً … والعيد هو اجتماع كل الكون في هذا اليوم ، اجتماع نعمة الله في إيجاد الكون وتمامها في ذلك اليوم … فالمؤمنون بالله يجتمعون اجتماع حفاوة بتمام خلق الكون لهم … والسبت … الباء والتاء تفيد معنى القطع … وسبت ويسبت سبتاً إذا انقطع عمله … ونلاحظ أن خلق السماوات والأرض تم في ستة أيام مصداقاً لقوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ … } [ الحديد : 4 ] . وكان تمام الخلق يوم الجمعة … وفي اليوم السابع وهو يوم السبت … كان كل شيء قد استقر وفرغ من خلق الكون … ولذلك له سبات أي أن هذا اليوم يسمى سباتاً … لأن فيه سكون الحركة بعد تمام الخلق … فلما أراد اليهود يوماً للراحة أعطاهم الله يوم السبت وأراد الحق تبارك وتعالى أن يبتليهم في هذا اليوم والابتلاء هو امتحانهم فقد كانوا يعيشون على البحر وعملهم كان صيد السمك . . وكان الابتلاء في هذا اليوم حيث حرم الله عليهم فيه العمل وجعل الحيتان التي يصطادونها تأتي إليهم وقد بدت أشرعتها وكانوا يبحثون عنها طوال الأسبوع وربما لا يجدونها … وفي يوم السبت جاءتهم ظاهرة على سطح الماء تسعى إليهم لتفتنهم … واقرأ قوله سبحانه وتعالى : { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } [ الأعراف : 163 ] . وهكذا يمتلئ سطح البحر بالأسماك والحيتان يوم السبت … فإذا جاء صباح الأحد اختفت بعيداً وهم يريدون أن يجعلوا السبت عيداً لهم لا يفعلون فيه أي شيء … ولكنهم في الوقت نفسه يريدون أن يحصلوا على هذه الأسماك والحيتان … صنعوا شيئاً اسمه الحياض العميقة ليحتالوا بها على أمر الله بعدم العمل في هذا اليوم … وفي الوقت نفسه يحصلون على الأسماك … هذه الحياض يدخلها السمك بسهولة … ولأنها عميقة لا يستطيع الخروج منها ويتركونه يبيت الليل وفي الصباح يصطادونه … وكان هذا تحايلاً منهم على مخالفة أمر الله … والله سبحانه وتعالى لا يحب من يحتال في شيء من أوامره . ويقول الله تعالى : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [ البقرة : 65 ] … وهذه قصة مشهورة عند اليهود ومتواترة … يعلمها الأجداد للآباء والآباء للأحفاد … وهي ليست جديدة عليهم وإن كان المخاطبون هم اليهود المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم … ولذلك عندما سمع : " ولقد علمتم " أي لقد عرفتم ومعنى ذلك أن القصة عندكم معروفة … وكأنها من قصص التراث التي يتناقلونها … وقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ } [ البقرة : 65 ] … المفعول هنا واحد هنا حيلة مذكورة أنهم اعتدوا على أمر الله بالراحة يوم السبت … هم حقيقة لم يصطادوا يوم السبت … ولكنهم تحايلوا على الممنوع بنصب الفخاخ للحيتان والأسماك … وكانوا في ذلك أغبياء … وقد كان الممنوع أن يأخذوا السمك في حيازتهم بالصيد يوم السبت … ولكنهم أخذوه في حيازتهم بالحيلة والفخاخ … وقوله تعالى : " اعتدوا " أي تجاوزوا حدود الله المرسومة لهم … وعادة حين يحرم الله شيئاً يأتي بعد التحريم قوله تعالى : { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا … } [ البقرة : 187 ] . لأنه يريد أن يمنعك من الإغراء … حتى لا تقع في المعصية فيقول لك لا تقترب … ولكن بني إسرائيل اعتدوا على حكم الله متظاهرين بالطاعة وهم عاصون … وحسبوا أنهم يستطيعون خداع الله بأنهم طائعون مع أنهم عاصون . . وصدر حكم الله عليهم : { فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [ البقرة : 65 ] . وعادة أنك لا تأمر إنساناً أمراً إلا إذا كان في قدرته أن يفعله … الأمر هنا أن يكونوا قردة … فهل يستطيعون تنفيذه ؟ وأن يغيروا خلقتهم إلى قردة … إنه أمر في مقدرة الله وحده فكيف يقول لهم كونوا قردة ؟ نقول إن الآمر نفسه هنا هو الذي يستطيع أن يجعلهم قردة … وهذا الأمر يسمى أمراً تسخيريّاً ولم يقل لهم كونوا قردة ليكونوا هم بإرادتهم قردة … ولكنه سبحانه بمجرد أن قال كونوا قردة كانوا … وهذا يدلنا على انصياع المأمور للأمر وهو غير مختار … ولو كان لا يريد ذلك ولا يلزم أن يكونوا قد سمعوا قول الله أو قال لهم … لأنه لو كان المطلوب منهم تنفيذ ما سمعوه ربما كان ذلك لازماً … ولكن بمجرد صدور الأمر وقبل أن ينتبهوا أو يعلموا شيئاً كانوا قردة . ولقد اختلف العلماء كيف تحول هؤلاء اليهود إلى قردة ؟ كيف مسخوا ؟ قال بعضهم لقد تم المسخ وهم لا يدرون … فلما وجدوا أنفسهم قد تحولوا إلى خلق أقل من الإنسان … لم يأكلوا ولم يشربوا حتى ماتوا … وقال بعض العلماء إن الإنسان إذا مسخ فإنه لا يتناسل ، ولذلك فبمجرد مسخهم لم يتناسلوا حتى انقرضوا … ولماذا لم يتناسلوا ؟ لأن الله سبحانه وتعالى يقول : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ … } [ الأنعام : 164 ] . ولو أنهم تناسلوا … لتحمل الأبناء وزر آبائهم … وهذا مرفوض عند الله … إذن فمن رحمة الله أنهم لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناسلون … ويبقون فترة ثم ينقرضون بالأمراض والأوبئة وهذا ما حدث لهم . قد يقول بعض الناس لو أنهم مسخوا قردة … فمن أين جاء اليهود الموجودون الآن ؟ نقول لهم إنه لم يكن كل اليهود عاصين … ولكن كان منهم أقلية هي التي عصت ومسخت … وبقيت الأكثرية ليصل نسلها إلينا اليوم … وقد قال علماء آخرون أن هناك آية في سورة المائدة تقول : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [ المائدة : 60 ] . إذن هذه قضية قوم غضب الله عليهم ومسخهم قردة وخنازير وعبدة الطاغوت … ولقد أخبرنا الله جل جلاله أن اليهود مسخوا قردة … ولكنه لم يقل لنا أنهم مسخوا خنازير … فهل مسخوا قردة ؟ ثم بعد ذلك ازداد غضب الله عليهم ومسخوا خنازير ؟ وهل نقلهم الله من إنسانية إلى بهيمية في القيم والإرادة والخلقة ؟ نقول علينا أولاً أن ننظر إلى البهيمية التي نقلهم الله إليها … نجد أن القردة هي الحيوان الوحيد المفضوح العورة دائماً . . وإن عورته لها لون مميز عن جسده … وأنه لا يتأدب إلا بالعصا … واليهود كذلك لم يقبلوا المنهج إلا عندما رفع فوقهم جبل الطور … وما هم فيه الآن ليس مسخ خلقه ولكن مسخ خُلُق … والخنازير لا يغارون على أنثاهم وهذه لازمة موجودة في اليهود … وعبدة الطاغوت … الطاغوت هو كل إنسان تجاوز الحد في البغي والظلم … وعباد الطاغوت هم الطائعون لكل ظالم يعينونه على ظلمه وهم كذلك . إذن فعملية المسخ هذه سواء تمت مرة واحدة أو على مرتين مسألة شكلية … ولكن الله سبحانه وتعالى أعطانا في الآية التي ذكرناها في سورة المائدة سمات اليهود الأخلاقية … فكأنهم مسخوا خلقة ومسخوا أخلاقاً .