Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 66-66)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يريد الله تبارك وتعالى أن يلفتنا إلى أنه بعد أن جعل المسخة الخلقية والأخلاقية لليهود : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا } [ البقرة : 66 ] أي ما معها : { وَمَا خَلْفَهَا } [ البقرة : 66 ] أي ما بعدها : " والنكال " هو العقوبة الشديدة … والعقوبة لابد أن تنشأ عن تجريم أولاً … هذا هو المبدأ الإسلامي والمبدأ القانوني … فرجال القانون يقولون لا عقوبة إلا بتجريم ولا تجريم إلا بنص … قبل أن تعاقب لابد أن تقول إنّ هذا الفعل جريمة عقوبتها كذا وكذا … وفي هذه الحالة عندما يرتكبها أي إنسان يكون مستحقاً للعقوبة … وما دام هذا هو الموقف فلابد من تشريع . والتشريع ليس معناه أن الله شرع العقوبة … ولكن معناه محاولة منع الجريمة بالتخويف حتى لا يفعلها أحد … فإذا تمت الجريمة فلابد من توقيع العقوبة … لأن توقيعها عبرة للغير ومنع له من ارتكابها … وهذا الزجر يسمى نكولاً ومنها النكول في اليمين أي الرجوع فيه . إذن قوله تعالى : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً } [ البقرة : 66 ] … أي جعلناهم زجراً وعقابا قوياً … حتى لا يعود أحد من بني إسرائيل إلى مثل هذه المخالفة : { نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا } [ البقرة : 66 ] … أي عقوبة حين يرويها الذين عاصروها تكفي لكيلا يقتربوا من هذه المعصية أبداً … وتكون لهم موعظة لا ينسونها : { وَمَا خَلْفَهَا } [ البقرة : 66 ] يعني جعلناها تتوارثها الأجيال من بني إسرائيل جيلاً بعد جيل … كما بيّنا الأب يحكي لابنه حتى لا يعود أحد في المستقبل إلى مثل هذا العمل من شدة العقوبة : { وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 66 ] … أي موعظة لكل الناس الذين سيبلغهم الله تبارك وتعالى بما حدث من بني إسرائيل وما عاقبهم به … حتى يقوا أنفسهم شر العذاب يوم القيامة الذي سيكون فيه ألوان أشد كثيراً من هذا العذاب … على أننا لابد أن نلفت الانتباه إلى أن مبدأ " إنه لا عقوبة إلا بتجريم ولا تجريم إلا بنص " هو مبدأ إلهي … ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] . أي يأتي الرسول أولاً ليجرم هذه الأفعال … فإن ارتكبها أحد من خلق الله حقت عليه العقوبة … ومن هنا فإن كل ما يقال عن قوانين بأثر رجعي مخالف لشريعة الله تبارك وتعالى وعدله … فلا يوجد في عدالة السماء ما يقال عنه أثر رجعي .