Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 67-67)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تعرضنا إلى هذه الآية الكريمة في بداية سورة البقرة … لأن السورة سميت بهذا الاسم … ونلاحظ هنا أن الله سبحانه وتعالى أتى بحرف : " وإذ " … يعني واذكروا : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } [ البقرة : 67 ] … ولم يقل لماذا أمرهم بأن يذبحوا البقرة … ولابد أن نقرأ الآيات إلى آخر القصة لنعرف السبب في قوله تعالى : { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [ البقرة : 72 - 73 ] . والمفروض في كل الأمور أن الأمر تسبقه علته … ولكن هذه عظمة القرآن الكريم … لأن السؤال عن العلة أولاً معناه أن الأمر صادر من مساو لك … فإذا قال لك إنسان افعل كذا … تسأله لماذا حتى أطيع الأمر وأنفذه … إذن الأمر من المساوي هو الذي تسأل عن علته … ولكن الأمر من غير المساوي … كأمر الأب لابنه والطبيب لمريضه والقائد لجنوده … مثل هذا الأمر لا يسأل عن علته قبل تنفيذه … لأن الذي أصدره أحكم من الذي صدر إليه الأمر … ولو أن كل مكلف من الله أقبل على الأمر يسأل عن علته أولاً … فيكون قد فعل الأمر بعلته . فكأنه قد فعله من أجل العلة … ومن هنا يزول الإيمان … ويستوي أن يكون الإنسان مؤمناً أو غير مؤمن … ويكون تنفيذ الأمر بلا ثواب من الله … إن الإيمان يجعل المؤمن يتلقى الأمر من الله طائعاً … عرف علته أو لم يعرف … ويقوم بتنفيذه لأنه صادر من الله … ولذلك فإن تنفيذ أي أمر إيماني يتم لأن الأمر صادر من الله … وكل تكليف يأتي … علة حدوثه هي الإيمان بالله … ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يبدأ كل تكليف بقوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا " … أي يا من آمنت بالله ربا وإلهاً وخالقاً … خذ عن الله وافعل لأنك آمنت بمن أمرك . في هذه الآيات التي نحن بصددها أراد الله تعالى أن يبين لنا ذلك … فجاء بالأمر بذبح البقرة أولاً … وبالعلة في الآيات التي روت لنا علة القصة … وأنت حين تعبد الله فكل ما تفعله هو طاعة لله سبحانه وتعالى … سواء عرفت العلة أو لم تعرفها ، فأنت تؤدي الصلاة لأن الله تبارك وتعالى أمرك بأن تصلي … فلو أديت الصلاة على أنها رياضة أو أنها وسيلة للاستيقاظ المبكر … أو أنها حركات لازمة لليونة المفاصل فإن صلاتك تكون بلا ثواب ولا أجر . . إن أردت الرياضة فاذهب إلى أحد النوادي وليدربك أحد المدربين لتكون الرياضة على أصولها … وأن أردت اللياقة البدنية فهناك ألف طريقة لذلك … وإن أردت عبادة الله كما أمرك الله فلتكن صلاتك التي فرضها الله عليك لأن الله فرضها … وكذلك كل العبادات الأخرى … الصوم ليس شعوراً بإحساس الجائع … ولا هو طريقة لعمل الرجيم ولكنه عبادة … إن لم تصم تنفيذاً لأمر الله بالصوم فلا ثواب لك … وإن جعلت للصيام أي سبب إلا العبادة فإنه صيام لا يقبله الله … والله أغنى الشركاء عن الشرك … فمن أشرك معه أحداً ترك الله عمله لمن أشركه … وكذلك كل العبادات . هذا هو المفهوم الإيماني الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يلفتنا إليه في قصة بقرة بني إسرائيل … ولذلك لم يأت بالعلة أو السبب أولاً … بل أتى بالقصة ثم أخبرنا سبحانه في آخرها عن السبب … وسواء أخبرنا الله عن السبب أو لم يخبرنا فهذا لا يغير في إيماننا بحقيقة ما حدث … وإن القصة لها حكمة وإن خفيت علينا فهي موجودة . قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } [ البقرة : 67 ] … أعطى الله تبارك وتعالى الأمر أولاً ليختبر قوة إيمان بني إسرائيل … ومدى قيامهم بتنفيذ التكليف دون تلكؤ أو تمهل … ولكنهم بدلاً من أن يفعلوا ذلك أخذوا في المساومة والتباطؤ : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } [ البقرة : 67 ] … كلمة قوم تطلق على الرجال فقط … ولذلك يقول القرآن الكريم : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ … } [ الحجرات : 11 ] . إذن قوم هم الرجال … لأنهم يقومون على شئون أسرهم ونسائهم … ولذلك يقول الشاعر العربي : @ وما أدري ولست أخال أدري أَقَوْمٌ آل حصنٍ أم نساءُ @@ فالقوامة للرجال … والمرأة حياتها مبنية على الستر في بيتها … والرجال يقومون لها بما تحتاج إليه من شئون … والمفروض أن المرأة سكن لزوجها وبيتها وأولادها وهي في هذا لها مهمة أكبر من مهمة الرجال … قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ } [ البقرة : 67 ] … الأمر طلب فعل … وإذا كان الآمر أعلى من المأمور نسميه أمراً … وإذا كان مساوياً له نسميه التماساً … وإذا كان إلى أعلى نسميه رجاء ودعاء … على أننا لابد أن نلتفت إلى قوله تعالى على لسان زكريا : { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً … } [ آل عمران : 38 ] . هل هذا أمر من زكريا ؟ طبعاً لا … لأنه دعاء والدعاء رجاء من الأدنى إلى الأعلى … قوله تعالى : { ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ } [ البقرة : 67 ] … لو أن إنساناً يعقل أدنى عقل ثم يطلب منه أن يذبح بقرة … أهذه تحتاج إلى إيضاح ؟ لو كانوا ذبحوا بقرة لكان كل شيء قد تم دون أي جهد . . فما دام الله قد طلب منهم أن يذبحوا بقرة … فكل ما عليهم هو التنفيذ … ولكن انظر إلى الغباء حتى في السؤال … إنهم يريدون أن يفعلوا أي شيء لإبطال التكليف … لقد قالوا لموسى نبيهم إنك تهزأ بنا … أي أنهم استنكروا أن يكلفهم الله تبارك وتعالى بذبح بقرة على إطلاقها دون تحديد … فاتهموا موسى أنه يهزأ بهم … كأنهم يرون أن المسألة صعبة على الله سبحانه وتعالى … لا يمكن أن تحل بمجرد ذبح بقرة … وعندما سمع موسى كلامهم ذهل … فهل هناك نبي يهزأ بتكليف من تكليفات الله تبارك وتعالى … أينقل نبي الله لهم أمراً من أوامر الله جل جلاله على سبيل الهزل ؟ هنا عرف موسى أن هؤلاء اليهود هم جاهلون … جاهلون بربهم وبرسولهم وجاهلون بآخرتهم … وأنهم يحاولون أن يأخذوا كل شيء بمقاييسهم وليس بمقاييس الله سبحانه وتعالى … فاتجه إلى السماء يستعيذ بالله من هؤلاء الجاهلين … الذين يأتيهم اليسر فيريدونه عسراً . ويأتيهم السهل فيريدونه صعباً … ويطلبون من الله أن يعنتهم وأن يشدد عليهم وأن يجعل كل شيء في حياتهم صعباً وشاقاً .