Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 79-79)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه الآية الكريمة جاءت في القسم الثاني من اليهود وهو المقابل للأميين … وهم إما أميون لا يعلمون الكتاب … وإما يعلمون ولكنهم يغيرون فيه ويكتبونه بأيديهم ويقولون هذا من عند الله . ولذلك توعدهم الله تبارك وتعالى فقال : ويل لهم ، وبدأ الآية بالوعيد بالجزاء مباشرة . نلاحظ أن كلمة ويل في اللغة تستعمل معها كلمتا ويح وويس … وكلها تعني الهلاك والعذاب … وتستعمل للتحسر على غفلة الإنسان من العذاب … واقرأ قوله تعالى : { يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا … } [ الكهف : 49 ] . وقوله جل جلاله : { يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا … } [ الأنبياء : 97 ] . هذه الويلات تعني الحسرة وقت رؤية العذاب … وقيل إن الويل وَادٍ في جهنم يهوي الإنسان فيه أربعين خريفا والعياذ بالله … والحق تبارك وتعالى ينذر الذين يكتبون الكتاب بأيديهم أن عذابهم يوم القيامة سيكون مضاعفاً … لأن كل من ارتكب إثماً نتيجة لتزييفهم للكتاب سيكونون شركاء وسيحملون عذابهم معهم يوم القيامة ، وسيكون عذابهم مضاعفاً أضعافاً كثيرة . يقول الحق سبحانه وتعالى : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ } [ البقرة : 79 ] … ألم يكن يكفي أن يقول الحق فويل للذين يكتبون الكتاب ويكون المعنى مفهوما … يكتبون الكتاب بماذا ؟ بأيديهم … نقول لا … لأن الفعل قد يتم بالأمر وقد يتم بالفعل … رئيس الدولة مثلاً يتصل بأحد وزرائه ويقول له ألم أكتب إليك كتاباً بكذا فلماذا لم تنفذه ؟ هو لم يكتب هذا الكتاب بيده ولكنهم كتبوه بأمره ، ورؤساء الدول نادراً ما يكتبون كتباً بأيديهم . إن الله سبحانه وتعالى يريد هنا أن يبين لنا مدى تعمد هؤلاء للإثم … فهم لا يكتفون مثلاً بأن يقولوا اكتبوا … ولكن لاهتمامهم بتزييف كلام الله سبحانه وتزويره يقومون بذلك بأيديهم ليتأكدوا بأن الأمر قد تم كما يريدون تماماً … فليست المسألة نزوة عابرة … ولكنها مع سبق الإصرار والترصد … وهم يريدون بذلك أن يشتروا ثمناً قليلاً ، هو المال أو ما يسمى بالسلطة الزمنية … يحكمون ويكون لهم نفوذ وسلطان . ولقد كان أهل الكتاب في الماضي إذا اختلفوا في شيء … ذهبوا إلى الكهان والرهبان وغيرهم ليقضوا بينهم … لماذا ؟ لأن الناس حين يختلفون يريدون أن يستتروا وراء ما يحفظ كبرياءهم إن كانوا مخطئين … يعني لا أنهزم أمامه ولا ينهزم أمامي … وإنما يقولون ارتضينا حكم فلان … فإذا كنا سنلجأ إلى تشريع السماء ليحكم بيننا … لا يكون هناك غالب ومغلوب أو منهزم ومنتصر … ذلك حين أخضع أنا وأنت لحكم الله يكون كل منا راضياً بنتيجة هذا الحكم . ولكن رجال الدين اليهودي والمسيحي أخذوا يصدرون فتاوى متناقضة . . كل منهم حسب مصلحته وهواه … ولذلك تضاربت الأحكام في القضايا المتشابهة … لأنه لم يعد الحكم بالعدل … بل أصبح الحكم خاضعاً لأهواء ومصالح وقضايا البشر … وحين يكتبون الكتاب بأيديهم ويقولون هذا من عند الله … إنما يريدون أن يخلعوا على المكتوب قداسة تجعل الإنسان يأخذه بلا مناقشة … وبذلك يكونون هم المشرعين باسم الله ، ويكتبون ما يريدون ويسجلونه كتابة ، وحين أحس أهل الكتاب بتضارب حكم الدين بما أضافه الرهبان والأحبار ، بدأوا يطلبون تحرير الحكم من سلطة الكنيسة . ولكن لماذا يكتب هؤلاء الناس الكتاب بأيديهم ويقولون هذا من عند الله ؟ ! … الحق سبحانه وتعالى يقول : { لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } [ البقرة : 79 ] … وقد قلنا إن الإنسان لا يشتري الثمن … ولكن يدفع الثمن ويشتري السلعة … ولكنك هنا تدفع لتأخذ ثمناً … تدفع من منهج الله وحكم الله فتغيره وتبدله لتأخذ ثمناً موقوتاً … والله سبحانه وتعالى يعطيك في الآخرة الكثير ولكنك تبيعه بالقليل … وكل ثمن مهما بلغ تأخذه مقابل منهج الله يعتبر ثمناً قليلاً . والحق سبحانه وتعالى : يقول { فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ } [ البقرة : 79 ] … الآية الكريمة بدأت بقوله تعالى : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ } [ البقرة : 79 ] … ثم جاء قوله تعالى : { فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } [ البقرة : 79 ] … فساعة الكتابة لها ويل وعذاب … وساعة بيع الصفقة لها ويل وعذاب … والذي يكسبونه هو ويل وعذاب . لقد انتشرت هذه المسألة في كتابة صكوك الغفران التي كانت تباع في الكنائس لمن يدفع أكثر . والحق سبحانه وتعالى يقول : { وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } [ البقرة : 79 ] … وكلمة كسب تدل على عمل من أعمال جوارحك يجلب لك خيراً أو نفعاً وهناك كسب وهناك اكتسب … كسب تأتي بالشيء النافع ، واكتسب تأتي بالشيء الضار … ولكن في هذه الآية الكريمة الحق سبحانه وتعالى قال : { وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } [ البقرة : 79 ] … وفي آية ثانية قال : { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً } [ البقرة : 81 ] . فلماذا تم هذا الاستخدام ؟ نقول إن هذا ليس كسباً طبيعياً ، إنما هو افتعال في الكسب … أي اكتساب … ولابد أن نفهم أنه بالنسبة لجوارح الإنسان … فإن هناك القول والفعل والعمل … بعض الناس يعتقد إن هناك القول والعمل … نقول لا … هناك قول هو عمل اللسان … وفعل هو عمل الجوارح الأخرى غير اللسان … وعمل وهو أن يوافق القول الفعل … لذلك فإن الله سبحانه وتعالى يقول : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [ الصف : 2 - 3 ] . إذن هناك قول وفعل وعمل … والإنسان إذا استخدم جوارحه استخداماً سليماً بفعل ما هو صالح له . . فإذا انتقل إلى ما هو غير صالح إلى ما يغضب الله فإن جوارحه لا تفعل ولكنها تفتعل … تتصادم ملكاتها بعضها مع بعض والإنسان وهو يفتح الخزانة ليأخذ من ماله يكون مطمئناً لا يخاف شيئاً … والإنسان حين يفتح خزانة غيره يكون مضطرباً وتصرفاته كلها افتعال … والإنسان مع زوجته منسجم في هيئة طبيعية ، بعكس ما يكون في وضع مخالف … إنها حالة افتعال … وكل من يكسب شيئاً حراماً افتعله … ولذلك يقال عنه اكتسب … إلا إذا تمرس وأصبح الحرام لا يهزه ، أو ممن نقول عنهم معتادو الإجرام … في هذه الحالة يفعل الشيء بلا افتعال لأنه اعتاد عليه … هؤلاء الذين وصلوا إلى الحد الذي يكتبون فيه بأيديهم ويقولون من عند الله … أصبح الإثم لا يهزهم ، ولذلك توعدهم الله بالعذاب مرتين في آية واحدة .