Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 80-80)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هنا يكشف الله سبحانه وتعالى فكر هؤلاء الناس … لقد زين لهم الشيطان الباطل فجعلهم يعتقدون أنهم كسبوا فعلاً وأنهم أخذوا المال والجاه الدنيوي وفازوا به … لأنهم لن يعذبوا في الآخرة إلا عذاباً خفيفاً قصيراً … ولذلك يفضح الله تبارك وتعالى ما يقولونه مع بعضهم البعض … ماذا قالوا ؟ : { وقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } [ البقرة : 80 ] . المس يعني اللمس الخفيف أو اقتراب شيء من شيء … ولكن لا يحس أحدهما بالآخر إلا إحساساً خفيفاً لا يكاد يذكر … فإذا أتيت إلى إنسان ووضعت أَنَامِلَكَ على يده يقال مسست … ولكنك لم تستطع بهذا المس أن تحس بحرارة يده أو نعومة جلده … ولكن اللمس يعطيك إحساساً بما تلمس : { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } [ البقرة : 80 ] وهكذا أخذوا أقل الأقل في العذاب … ثم أقل الأقل في الزمن فقالوا أياماً معدودة … الشيء إذا قيل عن معدود فهو قليل … أما الشيء الذي لا يحصى فهو الكثير … ولذلك حين يتحدث الله عن نعمه يقول سبحانه : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ … } [ النحل : 18 ] . فمجرد الإقبال على العد معناه أن الشيء يمكن إحصاؤه … فإن لم يكن ممكنا لا يُقبل أحد على عده ، ولا نرى من حاول عدَّ حبات الرمل أو ذرات الماء في البحار … نِعَمُ الله سبحانه وتعالى ظاهرة وخفية لا يمكن أن تحصى ، ولذلك لا يُقبل أحد على إحصائها … وإذا سمعت كلمة " أياماً معدودة " فأعلم أنها أيام قليلة … ولذلك نرى في سورة يوسف قول الحق جل جلاله : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ … } [ يوسف : 20 ] . قولهم لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة … دليل على غبائهم لأن مدة المس لا تكون إلا لحظة … ولكنها أماني وضعها الشيطان في عقولهم ليأتي الرد من الله في قوله سبحانه : { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ ٱللَّهُ عَهْدَهُ } [ البقرة : 80 ] أي إذا كان ذلك وعداً من الله ، فالله لا يخلف وعده . والله يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم لستم أنتم الذين تحكمون وتقررون ماذا سيفعل الله سبحانه وتعالى بكم … بل هو جل جلاله الذي يحكم … فإن كان قد أعطاكم عهداً فالله لا يخلف وعده . وقوله تعالى : { أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 80 ] … هنا أدب النبوة والخلق العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم … فبدلاً من أن يقول لهم أتفترون على الله أو أتكذبون على الله … أو أتختلقون على الله ما لم يقله … قال : { أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 80 ] إن الذي يختلق الكلام يعلم أنه مختلق . . إنه أول من يعلم كذب ما يقول ، وقد يكون له حجة ويقنع من أمامه فيصدقه ، ولكنه يظل يعلم إن ما قاله مختلق رغم أنهم صدقوه … ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع ، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها " إذن مُخْتَلِقُ الشيء يعرف إن هذا الشيء مُخْتَلَقٌ . وهؤلاء اليهود هم أول من يعلمون أن قولهم … { لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } [ البقرة : 80 ] قول مختلق … ولكن لمن يقولون على الله ما هو افتراء وكذب ؟ يقولون للأميين الذين لا يعرفون الكتاب .