Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 7-7)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وكما أعطانا الحق سبحانه وتعالى أوصاف المؤمنين يعطينا صفات الكافرين … وقد يتساءل بعض الناس إذا كان هذا هو حكم الله على الكافرين ؟ فلماذا يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان منهم وقد ختم الله على قلوبهم ؟ ! ومعنى الختم على القلب هو حكم بألاّ يخرج من القلب ما فيه من الكفر … ولا يدخل إليه الإيمان . نقول إن الله سبحانه وتعالى غني عن العالمين … فإن استغنى بعض خلقه عن الإيمان واختاروا الكفر … فإن الله يساعده على الاستغناء ولا يعينه على العودة إلى الإيمان … ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يقول في حديث قدسي : " أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ، ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ، وإن تقرَّب إليَّ شبراً تقرَّبتُ إليه ذراعاً ، وإن تقرَّب إليَّ ذراعا تقرَّبتُ إليه باعاً ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة " . وقد وضَّحَ الحديث القدسي أن الله تبارك وتعالى يعين المؤمنين على الإيمان ، وأن الله جل جلاله كما يعين المؤمنين على الإيمان … فإنه لا يهمه أن يأتي العبد إلى الإيمان أو لا يأتي … ولذلك نجد القرآن دقيقاً ومحكماً بأن مَنْ كفروا قد اختاروا الكفر بإرادتهم . واختيارهم للكفر كان أولاً قبل أن يختم الله على قلوبهم … والخالق جل جلاله أغنى الشركاء عن الشرك ، ومَنْ أشرك به فإنه في غنى عنه . إن الذين كفروا … أي ستروا الإيمان بالله ورسوله … هؤلاء يختم الله بكفرهم على آلات الإدراك كلها … القلب والسمع والبصر . والقلب أداة إدراك غير ظاهرة … وقد قدم الله القلب على السمع والبصر في تلك الآية لأنه يريد أن يعلمنا منافذ الإدراك … وفي القرآن الكريم يقول الحق تبارك وتعالى : { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ النحل : 78 ] . وهكذا يعلمنا الله أن منافذ العلم في الإنسان هي : السمع والأبصار والأفئدة ، ولكن في الآية الكريمة التي نحن بصددها قدم الله القلوب على السمع والأبصار . إن الله يعلم أنهم اختاروا الكفر … وكان هذا الاختيار قبل أن يختم الله على قلوبهم … والختم على القلوب … معناه أنه لا يدخلها إدراك جديد ولا يخرج منها إدراك قديم … ومهما رأت العين أو سمعت الأذن … فلا فائدة من ذلك لأن هذه القلوب مختومة بخاتم الله بعد أن اختار أصحابها الكفر وأصروا عليه … وفي ذلك يصفهم الحق جل جلاله : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [ البقرة : 18 ] . ولكن لماذا فقدوا كل أدوات الإدراك هذه ؟ . . لأن الغشاوة التفت حول القلوب الكافرة ، فجعلت العيون عاجزة عن تأمل آيات الله … والسمع غير قادر على التلقي من رسول الله صلى الله عليه وسلم . إذن فهؤلاء الذين اختاروا الكفر وأصروا عليه وكفروا بالله رغم رسالاته ورسله وقرآنه … ماذا يفعل الله بهم ؟ إنه يتخلى عنهم . ولأنه سبحانه وتعالى غني عن العالمين فإنه ييسر لهم الطريق الذي مشوا فيه ويعينهم عليه … واقرأ قوله تبارك وتعالى : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [ الزخرف : 36 ] . ويقول جل جلاله : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } [ الشعراء : 221 - 222 ] . ومن عظمة علم الله تبارك وتعالى أنه يعلم المؤمن ويعلم الكافر … دون أن يكون جل جلاله تدخُّل في اختيارهم … فعندما بعث الله سبحانه وتعالى نوحاً عليه السلام … ودعا نوح إلى منهج الله تسعمائة وخمسين عاماً . وقبل أن يأتي الطوفان علم الله سبحانه وتعالى أنه لن يؤمن بنوح عليه السلام إلا مَنْ آمن فعلاً ، فطلب الله تبارك وتعالى من نوح أن يبني السفينة لينجو المؤمنون من الطوفان … واقرأ قوله جل جلاله : { وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ * وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } [ هود : 36 - 37 ] . وهكذا نرى أنه من عظمة علم الله سبحانه وتعالى … أنه يعلم مَنْ سيصر على الكفر وأنه سيموت كافرا … وإذا كانت هذه هي الحقيقة ، فلماذا يطلب الله تبارك وتعالى من رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغهم بالمنهج وبالقرآن ؟ … ليكونوا شهداء على أنفسهم يوم القيامة ، فلا يأتي هؤلاء الناس يوم المشهد العظيم ويجادلون بالباطل … إنه لو بلغهم الهدى ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لآمنوا … ولكن لماذا يختم الله جل جلاله على قلوبهم ؟ … لأن القلب هو مكان العقائد … ولذلك ، فإن القضية تناقش في العقل ، فإذا انتهت مناقشتها واقتنع بها الإنسان تماماً فإنها تستقر في القلب ولا تعود إلى الذهن مرة أخرى وتصبح عقيدة وإيماناً … والحق سبحانه وتعالى يقول : { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [ الحج : 46 ] . وإذا عمى القلب عن قضية الإيمان … فلا عين ترى آيات الإيمان … ولا أذن تسمع كلام الله … وهؤلاء الذين اختاروا الكفر على الإيمان لهم في الآخرة عذاب عظيم … ولقد وصف الله سبحانه وتعالى العذاب بأنه أليم ، وبأنه مهين ، وبأنه عظيم … العذاب الأليم هو الذي يسبب ألماً شديداً ، والعذاب المهين هو الذي يأتي لأولئك الذين رفعهم الله في الدنيا … وأحيانا تكون الإهانة أشد إيلاماً للنفس من ألم العذاب نفسه … أولئك الذين كانوا أئمة الكفر في الدنيا … يأتي بهم الله تبارك وتعالى يوم القيامة أمام مَنْ اتبعوهم فيهينهم … أما العذاب العظيم فإنه منسوب إلى قدرة الله سبحانه وتعالى … لأنه بقدرات البشر تكون القوة محدودة … أما بقدرات الله جل جلاله تكون القوة بلا حدود … لأن كل فعل يتناسب مع فاعله … وقدرة الله سبحانه وتعالى عظيمة في كل فعل … وبما أن العذاب من الله جل جلاله فإنه يكون عذاباً عظيماً .