Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 8-8)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الناس في الحياة الدنيا على ثلاثة أحوال : إما مؤمن ، وإما كافر ، وإما منافق . والله سبحانه وتعالى في بداية القرآن الكريم في سورة البقرة … أراد أن يعطينا وصف البشر جميعاً بالنسبة للمنهج وأنهم ثلاث فئات : الفئة الأولى هم المؤمنون ، عَرَّفنا الله سبحانه وتعالى صفاتهم في ثلاث آيات ، في قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [ البقرة : 3 - 5 ] . والفئة الثانية هم الكفار ، وعَرَّفنا الله سبحانه وتعالى صفاتهم في آيتين في قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ } [ البقرة : 6 - 7 ] . وجاء للمنافقين فعرَّف صفاتهم في ثلاث عشرة آية متتابعة ، لماذا … ؟ لخطورتهم على الدين ، فالذي يهدم الدين هو المنافق ، أما الكافر فنحن نتقيه ونحذره ، لأنه يعلن كفره . إن المنافق يتظاهر أمامك بالإيمان ، ولكنه يُبطن الشر والكفر ، وقد تحسبه مؤمناً ، فتطلعه على أسرارك ، فيتخذها سلاحاً لطعن الدين … وقد خلق الله في الإنسان ملكات متعددة ، ولكن يعيش الإنسان في سلام مع نفسه ، لابد أن تكون ملكاته منسجمة وغير متناقضة . فالمؤمن ملكاته منسجمة ، لأنه اعتقد بقلبه في الإيمان ونطق لسانه بما يعتقد ، فلا تناقض بين ملكاته أبداً . والكافر قد يقال إنه يعيش في سلام مع نفسه ، فقد رفض الإيمان وأنكره بقلبه ولسانه وينطق بذلك ، ولكن الذي فقد السلام مع ملكاته هو المنافق ، أنه فقد السلام مع مجتمعه وفقد السلام مع نفسه ، فهو يقول بلسانه ، ما لا يعتقد قلبه ، يُظهر غير ما يُبطن ، ويقول غير ما يعتقد ، ويخشى أن يكشفه الناس ، فيعيش في خوف عميق ، وهو يعتقد أن ذلك شيء مؤقت سينتهي . ولكن هذا التناقض يبقى معه إلى آخر يوم له في الدنيا ، ثم ينتقل معه إلى الآخرة ، فينقض عليه ، ليقوده إلى النار ، واقرأ قوله تبارك وتعالى : { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ فصلت : 20 - 21 ] . إذن كل ملكاتهم انقضت عليهم في الآخرة ، فالسلام الذي كانوا يتمنونه لم يحققوه لا في حياتهم ولا في آخرتهم ، فلسان المنافق يشهد عليه ، ويداه تشهدان عليه ، ورِجْلاه تشهدان عليه ، والجلود تشهد عليه ، فماذا بقي له ؟ بينه وبين ربه تناقض ، وبينه وبين نفسه تناقض ، وبينه وبين مجتمعه تناقض ، وبينه وبين آخرته تناقض . وبينه وبين الكافرين تناقض . يقول لسانه ما ليس في قلبه ، بماذا وصف الحق سبحانه وتعالى المنافقين ؟ قال تعالى : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } [ البقرة : 8 ] . هذه أول صفات المنافقين في القرآن الكريم ، يعلنون الإيمان وفي قلوبهم الكفر ، ولذلك فإن إيمانهم كله تظاهر ، إذا ذهبوا للصلاة لا تكتب لهم ، لأنهم يتظاهرون بها ، ولا يؤدونها عن إيمان ، وإذا أدوا الزكاة ، فإنها تكون عليهم حسرة ، لأنهم ينفقونها وهم لها كارهون ، لأنها في زعمهم نقص من مالهم . لا يأخذون عليها ثواباً في الآخرة ، وإذا قتل واحد منهم في غزوة ، انتابهم الحزن ، والأسى ، لأنهم أهدروا حياتهم ولم يقدموها في سبيل الله . وهكذا يكون كل ما يفعلونه شقاء بالنسبة لهم . أما المؤمن فحين يصلي أو يؤدي الزكاة أو يستشهد في سبيل الله فهو يرجو الجنة ، وأما المنافقون فإنهم يفعلون كل هذا ، وهم لا يرجون شيئاً … فكأنهم بنفاقهم قد حكم عليهم الله سبحانه وتعالى بالشقاء في الدنيا والآخرة ، فلا هم في الدنيا لهم متعة المؤمن فيما يفعل في سبيل الله ، ولا هم في الآخرة لهم ثواب المؤمن فيما يرجو من الله .