Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 9-9)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وتأتي الصفة الثانية من صفات المنافقين ، وهي صفة تدل على غفلتهم وحمق تفكيرهم ، فإنهم يحسبون أنهم بنفاقهم يخدعون الله سبحانه وتعالى ، وهل يستطيع بشر أن يخدع رب العالمين ؟ إن الله عليم بكل شيء ، عليم بما نُخفي وما نُعلن ، عليم بالسر وما هو أخفَى من السر ، وهل يوجد ما هو أخفى من السر ؟ نقول نعم ، السر هو ما أسررت به لغيرك ، فكأنه يعلمه اثنان ، أنت ومَنْ أسررت إليه . ولكن ما هو أخفى من السر ، ما تبقيه في نفسك ولا تخبر به أحداً ، إنه يظل في قلبك لا تُسِرُّ به لإنسان ، والله سبحانه وتعالى يقول : { وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } [ طه : 7 ] . فلا يوجد مخلوق ، يستطيع أن يخدع خالقه ، ولكنهم من غفلتهم ، يحسبون أنهم يستطيعون خداع الله جل جلاله . وفي تصرفهم هذا لا يكون هناك سلام بينهم وبين الله . بل يكون هناك مقت وغضب . وهم في خداعهم يحسبون أيضاً أنهم يخدعون الذين آمنوا ، بأنهم يقولون أمامهم غير ما يبطنون ، ولكن هذا الخداع شقاء عليهم ، لأنهم يعيشون في خوف مستمر ، وهم دائماً في قلق أو خوف من أن يكشفهم المؤمنون ، أو يستمعوا إليهم في مجالسهم الخاصة ، وهم يتحدثون بالكفر ويسخرون من الإيمان ، ولذلك إذا تحدثوا فلابد أن يتأكدوا أولاً من أن أحدا من المؤمنين لا يسمعهم ، ويتأكدوا ثانياً من أن أحداً من المؤمنين لن يدخل عليهم وهم يتحدثون ، والخوف يملأ قلوبهم أيضاً ، في أثناء وجودهم مع المؤمنين ، فكل واحد منهم يخشى أن تفلت منه كلمة ، تفضح نفاقه وكفره . وهكذا فلا سلام بينهم وبين المؤمنين … والحقيقة أنهم لا يخدعون إلاَّ أنفسهم . فالله سبحانه وتعالى ، يعلم نفاقهم ، والمؤمنون قد يعلمون هذا النفاق ، فإن لم يعلموه ، فإن الله يخبرهم به ، واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى : { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } [ محمد : 30 ] . ألم يأت المنافقون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليشهدوا أنه رسول الله ، ففضحهم الله أمام رسوله وأنزل قوله تعالى : { إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } [ المنافقون : 1 ] . جاء المنافقون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون بصدق رسالته ، والله سبحانه وتعالى يعلم أن هذه الشهادة حق وصدق ، لأنه جل جلاله ، يعلم أن رسوله صلى الله عليه وسلم ، صادق الرسالة ، ولكنه في الوقت نفسه يشهد بأن المنافقين كاذبون . كيف ؟ كيف يتفق كلام الله مع ما قاله المنافقون ثم يكونون كاذبين ؟ نقول : لأن المنافقين قالوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، فهم شهدوا بألسنتهم فقط أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ولكن قلوبهم منكرة لذلك ، مكذِّبة به ، ولذلك فإن ما قاله المنافقون رغم أنه حقيقة إلا أنهم يكذبون ، ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، لأن الصدق هو أن يوافق الكلام حقيقة ما في القلب ، وهؤلاء كذبوا ، لأنهم في شهادتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يُعبِّرون عن واقع في قلوبهم ، بل قلوبهم تُكَذِّبُ ما يقولون . وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم يفضح الله سبحانه وتعالى فيها المنافقين وينبئ رسوله صلى الله عليه وسلم بما يضمرونه في قلوبهم ، إذن : فخداعهم للمؤمنين ، رغم أنه خداع بشر لبشر ، إلا أنه أحياناً تفلت ألسنتهم ، فتعرف حقيقتهم ، وإذا لم يفلت اللسان ، جاء البيان من الله سبحانه وتعالى ليفضحهم ، وتكون حصيلة هذا كله ، أنهم لا يخدعون أحداً ، فالله يعلم سرهم وجهرهم ، فمرة يعين الله المؤمنين عليهم فيكشفونهم ، ومرة تفلت ألسنة المنافقين فيكشفون أنفسهم . إذن فسلوك المنافق ، لا يخدع به إلا نفسه ، وهو الخاسر في الدنيا والآخرة ، عندما يؤدي عملاً إيمانيا ، فالله يعلم أنه نفاق ، وعندما يحاول أن يخدع المؤمنين ، ينكشف ، والنتيجة أنهم يعتقدون بأنهم حققوا لأنفسهم نفعاً ، بينما هم لم يحققوا لأنفسهم إلا الخسران المبين .