Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 133-133)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

مرت بنا لولا في قوله تعالى : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ … } [ يونس : 19 ] وتعني : امتناع التعذيب لوجود الكلمة ، أما لولا هنا فتعني : هلا ، للحثِّ والطلب { لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ … } [ طه : 133 ] كما في { وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ … } [ الكهف : 39 ] . فكأن القرآن لا يعجبهم ، مع أنهم أمةُ بلاغة وبيانٍ ، وأمة فصاحة وكلام ، والقرآن يخجلهم لفصاحته وبلاغته ، فأيُّ آية تريدونها بعد هذا القرآن ؟ { وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ … } [ طه : 133 ] كدليل صِدْق على بلاغه عن الله كالمعجزات الحسّية التي حدثتْ لمن قبله من الرسل ، كما قال تعالى : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 90 - 93 ] . إذن : فالآيات من الله لا دَخْلَ لي فيها ولا أختارها ، وها هو القرآن بين أيديكم يخبركم بما كان في الأمم السابقة { فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 43 ] . وقال تعالى { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ * بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا * وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ * إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } [ الأعلى : 14 - 19 ] . وقال تعالى { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ … } [ النساء : 163 ] . لذلك يقول تعالى بعدها : { أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } [ طه : 133 ] . فالقرآن جاء جامعاً ومُهيْمناً على الكتب السابقة ، وفيه ذِكْر لكل ما حدث فيها من معجزات حسية ، وهل شاهد هؤلاء معجزة عيسى عليه السلام في إبراء الأكمه والأبرص ؟ هل شاهدوا عصا موسى أو ناقة صالح ؟ لقد عرفوا هذه المعجزات عندما حكاها لهم القرآن ، فصارت خبراً من الأخبار ، وليست مَرْأىً ، والمعجزة الحسِّية تقع مرة واحدة ، مَنْ رآها آمن بها ، ومَنْ لم يرهَا فهي بالنسبة له خبر ، ولولا أن القرآن حكاها ما صدَّقها أحد منهم . لكن هؤلاء يريدون معجزة حِسِّية تصاحب رسالة محمد العامة للزمان وللمكان ، ولو كانت معجزَة محمد حِسِّية لكانت لمَنْ شاهدها فقط ، والحق سبحانه يريدها معجزة دائمة لامتداد الزمان والمكان ، فَمنْ آمن بمحمد نقول له : هذه هي معجزته الدائمة الباقية إلى أنْ تقومَ الساعة . لذلك ، كان القرآن معجزة لكل القرون ، ولو أفنى القرآن معجزته مرة واحدة للمعاصرين له فحسب لاستقبلتْه القرون الآتية بلا إعجاز ، لكن شاءتْ إرادة الله أن يكون إعجاز القرآن سراً مطموراً فيه ، وكل قرن يكتشف من أسراره على قدر التفاتهم إليه وتأملهم فيه ، وهكذا تظل الرسالة محروسة بالمعجزة . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ … } .