Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 15-15)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : مع ما سبق وَطِّنْ نفسك على أن الساعة آتية لا محالةَ ، والساعة هنا هي عمر الكون كله ، أمّا أعمار المكين في الكون فمتفاوته ، كل حسب أجله ، فمَنْ مات فقد قامت قيامته وانتهت المسألة بالنسبة له . إذن : نقول : الساعة نوعان : ساعة لكُلٍّ منا ، وهي عمره وأجَله الذي لا يعلم متى سيكون ، وساعة للكون كله ، وهي القيامة الكبرى . فقوله تعالى : { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَة } [ طه : 15 ] أي : اجعل ذلك في بالك دائماً ، وما دام الموت سينقلك إليها سريعاً فإياك أنْ تقول : سأموت قريباً ، أما القيامة فبعد آلاف أو ملايين السنين لأن الزمن مُلغىً بعد الموت ، كيف ؟ الزمن لا يضبطه إلا الحدث ، فإن انعدم الحدث فقد انعدم الزمن ، كما يحدث لنا في النوم ، وهل تستطيع أنْ تُحدِّد الوقت الذي نمْتَه ؟ لذلك قال الحق سبحانه وتعالى : { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } [ النازعات : 46 ] . والعبد الذي أماته الله مائة عام لما بعثه قال : يوماً أو بعض يوم ، وكذلك قال أهل الكهف بعد ثلاثمائة سنة وتسع ، لأن يوماً أو بعض يوم هي أقْصى ما يمكن تصوُّره للنائم حين ينام لذلك نقول : " مَنْ مات فقد قامت قيامته " . ومن حكمته سبحانه أن أخفى الساعة ، أخفاها للفرد ، وأخفاها للجميع وربما لو عرف الإنسان ساعته لقال : أفعل ما أريد ثم أتوب قبل الموت لذلك أخفاها الحق - تبارك وتعالى - لنكون على حذر أنْ نلقى الله على حال معصية . وكذلك أخفى الساعة الكبرى ، حتى لا تأخذ ما ليس لك من خَلْق الله ، وتنتفع به ظُلْماً وعدواناً ، وتعلم أنك إنْ سرقتَ سترجع إلى الله فيحاسبك ، فما دُمْتَ سترجع إلى الله فاستقِمْ وعَدِّل من سلوكك ، كما يقول أهل الريف ارع مساوي . وقوله تعالى : { آتِيَةٌ } [ طه : 15 ] أي : ليس مَأْتِياً بها ، فهي الآتية ، مع أن الحق - تبارك وتعالى - هو الذي سيأتي بها ، لكن المعنى آتية كأنها منضبطة أوتوماتيكيا ، فإنْ جاء وقتها حدثتْ . وقوله تعالى : { أَكَادُ أُخْفِيهَا } [ طه : 15 ] كاد : أي : قَرُب مثل : كاد زيد أن يجيء أي : قَرُب لكنه لم يأْتِ بعد ، فالمراد : أقرب أن أخفيها ، فلا يعلم أحد موعدها ، فإذا ما وقعتْ فقد عرفناها . كما قال تعالى : { إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ … } [ الأعراف : 187 ] . وقد تكون { أُخْفِيهَا } [ طه : 15 ] بمعنى آخر ، فبعض الأفعال الثلاثية تُعطى عكس معناها عند تضعيف الحرف الثاني منها ، كما في : مرض أي : أصابه المرض . ومرَّضه الطبيب . أي : عالجه وأزال مرضه . وقَشَرتُ الشيء أي : جعلْتُ له قشرة ، وقشَّرتُ البرتقالة أزلْتُ قِشْرها . ومن ذلك قوله تعالى : { تَالله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً } [ يوسف : 85 ] والحَرض : هو الهلاك . من : حَرِض مثل : تَعب . وقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ } [ الأنفال : 65 ] . ومعنى حَرِّض حثَّهم على القتال ، الذي يُزيل عنهم الهلاك أمام الكفار لأنهم إنْ لم يجاهدوا هلكوا ، فَحرِض : هلك ، وحرَّض : أزال الهلاك . وقد يأتي مضاد الفعل بزيادة الهمزة على الفعل مثل : { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } [ الجن : 15 ] فالقاسط من قسط . أي : الجائر بالكفر . أما في قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } [ المائدة : 42 ] فالمقسط من أقسط : العادل الذي يُزيل الجوْرَ . وإنْ كانت المادة واحدة هي قَسَط فالمصدر مختلف نقول : قسط قِسْطاً أي : عدل ، وقسط قَسْطاً وقسوطاً يعني : جار . فهذه الهمزة في أقسط تسمى " همزة الإزالة " . ومن الفعل الثلاثي قَسَطَ يستعمل منها : القسط والميزان والفرق بين قَسَط وأقسط : قسط أي : عدل من أول الأمر وبادىء ذي بَدْء ، إنما أقسط : إذا وجد ظُلْماً فرفعه وأزاله ، فزاد على العدل أنْ أزال جَوْراً . وأيضاً الفعل عجم عجم الأمر : أخفاه ، وأعجمه : أزال خفاءه . ومن ذلك كلمة المعجم الذي يزيل خفاء الكلمات ويُوضِّحها . وكذلك في قوله تعالى : { أَكَادُ أُخْفِيهَا … } [ طه : 15 ] خفى بمعنى : استتر وأخفاها : أزال خفاءها ، ولا يُزَال خفاء الشيء إلا بإعلانه . ثم يقول تعالى : { لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ } [ طه : 15 ] . وإلا لو لم يكُنْ في الآخرة حساب وجزاء لَكَان الذين أسرفوا على أنفسهم وعربدوا في الوجود أكثر حظاً من المؤمنين المتلزمين بمنهج الله لذلك في نقاشنا مع الشيوعيين قُلْنا لهم : لقد قتلتم مَنْ أدركتموه من أعدائكم من الرأسماليين ، فما بال مَنْ مات ولم تدركوه ؟ وكيف يفلت منكم هؤلاء ؟ لقد كان أَوْلَى بكم أن تؤمنوا بمكان آخر لا يفلت منه هؤلاء ، وينالون فيه جزاءهم ، إنها الآخرة التي تُجزَى فيها كُلُّ نفس بما تسعى . ثم يقول الحق سبحانه : { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ … } .