Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 53-53)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

مَهْداً : من التمهيد وتوطئة الشيء ليكون صالحاً لمهمته ، كما تفعل في فراشك قبل أن تنام ، ومن ذلك يسمى فراش الطفل مَهْداً لأنك تُمهِّده له وتُسوّيه ، وتزيل عنه ما يقلقه أو يزعجه ليستقر في مَهْده ويستريح . ولا بُدَّ لك أنْ تقوم له بهذه المهمة لأنه يعيش بغريزتك أنت ، إلا أن تتنبه غرائزه لمثل هذه الأمور ، فيقوم بها بنفسه لذلك لزمك في هذه الفترة رعايته وتربيته والعناية به . فمعنى { جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً … } [ طه : 53 ] أي : سوَّاها ومهَّدها لتكون صالحة لحياتكم ومعيشتكم عليها . وليس معنى مهّدها جعلها مستوية ، إنما سوّاها لمهمتها ، وإلا ففي الأرض جبال ومرتفعات ووديان ، وبدونها لا يستقيم لنا العيش عليها ، فتسويتها تقتضي إصلاحها للعيش عليها ، سواء بالاستواء أو التعرّج أو الارتفاع أو الانخفاض . فمثلاً في الأرض المستوية نجد الطرق مستوية ومستقيمة ، أما في المناطق الجبلية فهي مُتعرّجة مُلتوية لأنها لا تكون إلا كذلك ، ولها ميزة في التوائها أنك لا تواجه الشمس لفترة طويلة ، بل تراوح بين مواجهة الشمس مرة والظل أخرى . وسبق أن ضربنا مثلاً بالخطّاف الذي نصنعه من الحديد ، فلو جعلناه مستقيماً ما أدَّى مهمته ، إذن : فاستقامته في كَوْنه مُعْوجاً فتقول : سويته ليؤدي مهمته ، ولو كان مستقيماً ما جذب الشيء المراد جَذْبه به . إذن : نقول التسوية : جَعْل الشيء صالحاً لمهمته ، سواء أكان بالاعتدال أو الاعوجاج ، سواء أكان بالأمْت أو بالاستقامة . ثم يقول تعالى : { وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً … } [ طه : 53 ] أي : طرقاً ممهدة تُوصّلكم إلى مهماتكم بسهولة . سلك : بمعنى دخل ، وتأتي متعدية ، تقول : سلك فلان الطريق . وقال تعالى : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } [ المدثر : 42 ] فالمخاطبون مَسْلوكون في سقر يعني : داخلون ، وقال : { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ } [ القصص : 32 ] أي : أدْخِلْها . فتعديها إلى المفعول الداخل أو للمدخول فيه ، فقوله : { وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً … } [ طه : 53 ] متعدية للمدخول فيه أي : عديت المخاطب إلى المدخول فيه ، فأنتم دخلتم ، والسُّبل مدخول فيه . إذن : المفعول مرة يكون المسلوك ، ومرة يكون المسلوك فيه . وحينما تسير في الطرق الصحراوية تجدها مختلفة على قَدْر طاقة السير فيها ، فمنها الضيّق على قَدْر القدم للشخص الواحد ، ومنها المتسع الذي تسير فيه الجمال المحمّلة أو السيارات ، فسلك لكم طرقاً مختلفة ومتنوعة على قَدْر المهمة التي تؤدونها . ثم يقول تعالى : { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ } [ طه : 53 ] . وهذه أيضاً من مسألة الخَلْق التي لا يدعيها أحد لأنها دَعْوى مردودة على مدعيها ، فأنت يا مَنْ تدّعي الألوهية أخرِجْ لنا شيئاً من ذلك ، إرِنَا نوعاً من النبات فلن يقدر ، وبذلك لزمتْه الحجة . كما أن إنزال الماء من السماء ليس لأحد عمل فيه ، لكن عندما يخرج النبات قد يكون لنا عمل مثل الحَرْث والبَذْر والسَّقْي وخلافه ، لكن هذا العمل مستمد من الأسباب التي خلقها الله لك لذلك لما تكلم عن الماء قال أنْزَلَ فلا دَخْل لأحد فيه ، ولما تكلم عن إخراج النبات قال أَخْرَجْنَا لأنه تتكاتف فيه صفات كثيرة ، تساعد في عملية إخراجه ، وكأن الحق - تبارك وتعالى - يحترم عملك السَّببي ويُقدِّره . اقرأ قوله تعالى : { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } [ الواقعة : 63 - 64 ] فأثبت لهم عملاً ، واحترم مجهودهم ، إنما لما حرثتم من أين لكم بالبذور ؟ فإذا ما تتبعت سِلْسِلة البذور القبلية لانتهتْ بك إلى نبات لا قَبْلَ له . كما لو تتبعتَ سلسلة الإنسان لوجدتها تنتهي إلى أب ، لا أب له إلا مَنْ خلقه . وأنت بعد أن ألقيتَ البذرة في الأرض وسقيْتها ، ألَكَ حيلة في إنباتها ونُموّها يوماً بعد يوم ؟ أأمسكْتَ بها وجذبْتها لتنمو ؟ أم أنها قدرة القادر { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ * وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } [ الأعلى : 2 - 3 ] . لذلك يقول تعالى بعدها : { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً … } [ الواقعة : 65 ] ، فإنْ كانت هذه صنعتكم فحافظوا عليها . كما حدث مع قارون حينما قال عن نعمة الله : { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ … } [ الزمر : 49 ] . فما دام الأمر كذلك فحافظ عليه يا قارون بما عندك من العلم ، فلما خسف الله به وبداره الأرض دَلَّ ذلك على كذبه في مقولته . ونلحظ في قوله تعالى : { لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً … } [ الواقعة : 65 ] أنه مؤكد باللام ، لماذا ؟ لأن لك شبهة عمل في مسألة الزرع ، قد تُطمِعك وتجعلك مُتردّداً في القبول . إنما حينما تكلم عن الماء قال : { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً … } [ الواقعة : 68 - 70 ] . هكذا بدون توكيد لأنها مسألة لا يدَّعيها أحد لنفسه . وقوله تعالى : { أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ } [ طه : 53 ] لم يقل : نباتاً فقط . بل أزواجاً لأن الله تعالى يريد أن تتكاثر الأشياء ، والتكاثر لا بُدَّ له من زوجين : ذكر وأنثى . وكما أن الإنسان يتكاثر ، كذلك باقي المخلوقات لأن الحق - تبارك وتعالى - خلق الأرض وقدَّر فيها أقواتها ، ولا بُدَّ لهذه الأقوات أن تكفي كل مَنْ يعيش على هذه الأرض . فإذا ضاقت الأرض ، ولم تُخرِج ما يكفينا ، وجاع الناس ، فلنعلم أن التقصير مِنّا نحن البشر من استصلاح الأرض وزراعتها لذلك حينما حدث عندنا ضيق في الغذاء خرجنا إلى الصحراء نستصلحها ، وقد بدأت الآن تُؤتي ثمارها ونرى خيرها ، والآن عرفنا أننا كنا في غفلة طوال المدة السابقة ، فتكاثرنا ولم نُكثِّر ما حولنا من الرقعة الزراعية . والذكر والأنثى ليسا في النبات فحسْب ، بل في كل ما خلق الله : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } [ يس : 36 ] . فالزوجية في كل شيء ، عَلِمته أو لم تعلمه ، حتى في الجمادات ، هناك السالب والموجب والألكترونيات والأيونات في الذرة ، وهكذا كلما تكاثر البشر تكاثر العطاء . وقوله تعالى : { مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ } [ طه : 53 ] شتى مثل : مرضى جمع مريض فشتى جمع شتيت . يعني أشياء كثيرة مختلفة ومتفرقة ، ليست في الأنواع فقط ، بل في النوع الواحد هناك اختلاف . فلو ذهبت مثلاً إلى سوق التمور في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم تجد أنواعاً كثيرة ، مختلفة الأشكال والطُّعوم والأحجام ، كلها تحت مُسمّى واحد هو : التمر . وهكذا لو تأملتَ باقي الأنواع من المزروعات . ثم يذكر الحق - تبارك وتعالى - العِلَّة في إخراج النبات : { كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ … } .