Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 72-72)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الإيثار : تفضيل شيء على شيء في مجال متساوٍ تقول : آثرتُ فلاناً على فلان ، وهما في منزلة واحدة ، أو أن معك شيئاً ليس معك غيره ، ثم جاءك فقير فآثرْتَهُ على نفسك . ومنه قوله تعالى : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ … } [ الحشر : 9 ] . فقولهم : { لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَا … } [ طه : 72 ] لأنه قال { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ } [ طه : 71 ] أنا أمْ موسى ؟ فالمعركة في نظره مع موسى ، فأرادوا أنْ يُواجهوه بهذه الحقيقة التي اتضحتْ لهم جميعاً ، وهي أن المعركة ليستْ مع موسى ، بل مع آيات الله البينات التي أُرسِل بها موسى ، ولن نُفضّلك على آيات الله التي جاءتْنا واضحة بيِّنة . ولما رأى السحرة معجزة العصا كانوا هم أكثَر القوم إيماناً ، وقد وَضُحَ عُمْق إيمانهم لما قالوا : { آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ } [ طه : 70 ] ولم يقولوا : آمنا بموسى وهارون ، إذن : فإيمانهم صحيح صادق من أول وَهْلة . وقد تعرضنا لهذه المسألة في قصة سليمان مع ملكة سبأ ، حين قالت : { وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ النمل : 44 ] فأنا وهو مسلمان لله ، ولم تقل : أسلمت لسليمان ، فهناك رب أعلى ، الجميع مُسلِّم له . إذن : فقوْل السَّحَرة لفرعون : { لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَا … } [ طه : 72 ] تعبير دقيق وواعٍ وحكيم لا تلحظ فيه ذاتيةَ موسى إنما تلحظُ البينة التي جاء بها موسى من الله . لذلك يقول تعالى : { لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } [ البينة : 1 ] ثم يُبين عند منْ جاءت البينة : { رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً } [ البينة : 2 ] . فالارتقاء من الرسول إلى البينة إلى مَنْ أعطى له البينة ، فهذه مراحل ثلاث . والبينات ، هي الأمور الواضحة التي تحسم كل جَدَلٍ حولها ، فلا تقبل الجدل والمهاترات لأن حجتها جليّة واضحة . وقولهم : { وَٱلَّذِي فَطَرَنَا … } [ طه : 72 ] أي : ولن نُؤثرك أيضاً على الله الذي فطرنا ، أو تكون { وَٱلَّذِي فَطَرَنَا … } [ طه : 72 ] قسَم على ما يقولون ، كما تقول : لن أفعل كذا والذي خلقك ، فأنت تُقسِم ألاَّ تفعل هذا الشيء . وهذه حيثية عدم الرجوع فيما قالوه وهو الإيمان بربِّ هارون وموسى . ثم لم يَفُتْهم الإشارة إلى مسألة التهديدات الفرعونية : { فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ … } [ طه : 71 ] . لذلك يقولون : { فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ … } [ طه : 72 ] أي : نفِّذ ما حكمتَ به من تقطيع الأيدي والأرجل ، أو اقْضِ ما أنت قاض من أمور أخرى ، وافعل ما تريد فلم تعُدْ تخيفنا هذه التهديدات { إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ } [ طه : 72 ] . فأنت إنسان يمكن أن تموتَ في أي وقت ، فما تقضي إلا مُدَّة حياتك ، وربما يأتي من بعدك مَنْ هو أفضل منك فلا يدّعي ما ادَّعيْته من الألوهية . وهَبْ أن مَنْ جاء بعدك كان على شاكلتك ، فحياته أيضاً منتهية ، وحتى لو ظَلَّ ما سننته للناس من ادعاء الألوهية إلى يوم القيامة ، وامتدّ طغيان غيرك من بعدك ، فالمسألة ستنتهي ، ولو حتى بقيام الساعة . كما سبق أن قُلْنا : إن نعيم الدنيا مهما بلغ فيتهدده أمران : إما أن تفوته أو يفوتك ، أما نعيم الآخرة فنعيم بَاقٍ دائم ، لا تفوته ولا يفوتك . ثم يقول الحق سبحانه : { إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا … } .