Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 73-73)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فما دُمْنا رجعنا من الإيمان بالبشر إلى الإيمان بخالق البشر ، فهذا رُشْدٌ في تفكيرنا لا يصح أنْ تلومنَا عليه ، ثم أوضحوا حيثية إيمانهم { لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ … } [ طه : 73 ] فالإيمان بالله سينفعنا ، وسيغفر لنا الخطايا وهي كثيرة ، وسيغفر لنا ما أكرهتنا عليه من مسألة السحر ، فقد صنعوا السحر مُكْرهين ، ومارسوه مُجْبرين ، فهو عمل لا يوافق طبيعتهم ولا تكوينهم ولا فطرتهم . وما أكثر ما يُكْره الناس على أمور لا يرضونها ، وينفذون أوامر وهم غير مقتنعين بها ، خاصة في عصور الطُّغَاة والجبّارين ، وقد سمعنا كثيراً عن السَّجانين في المعتقلات ، فكان بعضهم تأتيه الأوامر بتعذيب فلان ، فماذا يفعل وهو يعلم أنه بريء مظلوم ، ولا يطاوعه قلبه في تعذيبه ، فكان يدخل على المسجون ويقول له : اصرخ بأعلى صوتك ، ويُمثِّل أنه يضربه . ثم يقولون : { وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } [ طه : 73 ] فأنت ستزول ، بل دنياك كلها ستزول بمَنْ جاء بعدك من الطُّغَاة ، ولن يبقى إلا الله ، وهو سبحانه يُمتِّع كل خَلْقه بالأسباب في الدنيا ، أما في الآخرة فلن يعيشوا بالأسباب . إنما بالمسبب عز وجل دون أسباب . لذلك إذا خطر الشيء ببالك تجده بين يديك ، وهذا نعيم الآخرة ، ولن تصل إليه حضارات الدنيا مهما بلغتْ من التطور . لذلك في قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً … } [ يونس : 24 ] ، فمهما ظَنَّ البشر أنهم قادرون على كل شيء في دُنْياهم فهم ضُعفاء لا يستطيعون الحفاظ على ما توصّلوا إليه . إذن : اجعل الله - تبارك وتعالى - في بالك دائماً يكُنْ لك عِوَضاً عن كل فائت ، واستح أنْ يطلع عليك وأنت تعصيه . وجاء في كتاب جامع العلوم والحكم 1 / 36 قال بعض العارفين : اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك . ولما سُئل أحد العارفين : فيم أفنيتَ عمرك ؟ قال : في أربعة أشياء : علمتُ أنِّي لا أخلو من نظر الله تعالى طَرْفة عَيْن ، فاستحييتُ أن أعصيه ، وعلمتُّ أنَّ لي رِزْقاً لا يتجاوزني وقد ضمنه الله لي فقنعتُ به ، وعلمتُ أن عليَّ ديناً لا يُؤدِّيه عنِّي غيري فاشتغلتُ به ، وعلمتُ أن لي أَجَلاً يبادرني فبادرته . وقد شرح أحد العارفين هذه الأربع ، فقال : اجعل مراقبتك لمن لا تخلو عن نظره إليك ، واجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمه عنك واجعل طاعتك لمن لا تستغني عنه ، واجعل خضوعك لمَنْ لا تخرج عن مُلْكه وسلطانه . وهكذا جمعتْ هذه الأقوالُ الثمانية الدينَ كله . ثم يُقدِّم السحرة الذين أعلنوا إيمانهم حيثيات هذا الإيمان ، فقالوا : { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً … } .