Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 97-97)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كان ردّ موسى - عليه السلام - على هذه الفِعْلة من السامري : جزاؤك أن تذهب ، ويكون قولك الملازم لك { لاَ مِسَاسَ … } [ طه : 97 ] والمِسَاس أي : المسّ . المعنى يحتمل : لا مساس مِنّي لأحد ، أو لا مساسَ من أحد لي . ذلك لأن الذين يفترون الكذب ويدَّعُون أن لهم رسالة ولهم مهمة الأنبياء ، حظُّهم من هذا كله أن تكون لهم سُلْطة زمنية ومكانة في قلوب الناس ، وأن يكون لهم مذهب وأتباع وأشياع . لذلك تراهم دائماً - في سبيل الوصول إلى هذه الغاية - يتحللون من المنهج الحق ، ويستبدلونه بمناهج حَسْب أهوائهم ، فيميلون إلى تسهيل المنهج وتبسيطه ، ويُعطون لأتباعهم حريةً ما أنزل الله بها من سلطان ، كالذي خرج علينا يُبيح للناس الاختلاط بين الرجال والنساء . ومن العجيب أن تجد لهذه الأفكار أَنصاراً يؤمنون بها ويُطبِّقونها ، لا من عامة الناس ، بل من المثقفين وأصحاب المناصب . فكيف تحجب عنهم المرأة ، وهي نصف المجتمع ؟ إذن : ما أجملَ هذ الدين ومَا أيسره على الناس ، فقد جاء على وَفْق أهوائهم وشهواتهم ، ووسَّع لهم المسائل ، فالنفس تميل بطبعها إلى التدين لأنها مفطورة عليه ، لكن تريد هذا الدين سَهْلاً لا مشقةَ فيه ، حتى وإنْ خالف منهج الله . لذلك تجد مثلاً مسيلمة وسجاح وغيرهما من مُدَّعِي النبوة يُخفِّفون عن أتباعهم تكاليف الشرع في الصلاة والصوم ، أما الزكاة فهي ثقيلة على النفس فلا داعيَ لها . وإلاَّ فما الميْزة التي جاءوا بها ليتبعهم الناس ؟ وما وسائل التشجيع لاتباع الدين الجديد ؟ وهكذا يصبح لهؤلاء سُلْطة زمنية ومكانة ، وأتباع ، وجمهور ، إذن : الذي أفسد حياته أن يجد العِزَّ والمكانة في انصياع الناس له وتبعيتهم لأفكاره ، فيعاقبه الله بهم ، ويجعل ذُلَّه على أيديهم وفتنته من ناحيتهم ، فهم الذين أعانوه على هذا الباطل ، فإذا به يكرههم ويبتعد بنفسه عنهم ، لدرجة أن يقول { لاَ مِسَاسَ … } [ طه : 97 ] كأنه يفِرُّ منهم يقول : إياك أنْ تقربَ مِنِّي أو تمسَّني . لقد تحول القُرْب والمحبة إلى بُعْد وعداوة ، هذه الجمهرة التي كانت حوله وكان فيها عِزُّه وتسلُّطه يفرُّ منها الآن ، فهي سبب كَبْوته ، وهي التي أعانَتْه على معصية الله . وهكذا ، كانت نهاية السامريّ أن ينعزل عن مجتمعه ، ويهيم على وجهه في البراري ، ويفرّ من الناس ، فلا يمسّه أحد ، بعد أنْ صدمه الحق ، وواجهتْه صَوْلته . وما أشبهَ هذا الموقف بما يحدث لشاب متفوق مستقيم يُغريه أهل الباطل ، ويجذبونه إلى طريقهم ، وبعد أن انخرط في سِلْكهم وذاق لذة باطلهم وضلالهم إذَا به يصحو على صدمة الحق التي تُفيقه ، ولكن بعد أن خسر الكثير ، فتراه بعد ذلك يفِرُّ من هذه الصُّحْبة وينأى بنفسه عن مجرد الاقتراب منهم . لذلك من الذين اختاروا دينهم وَفْق أهوائهم عبدة الأصنام ، فإن كانت العبادة أنْ يطيع العابدُ معبوده ، فما أيسرَ عبادة الأصنام لأنها آلهة بدون تكليف ، وعبادة بدون مشقة ، لا تقيد لك حركة ، ولا تمنعك من شهوة ، وإلا فماذا أعدَّتْ الأصنام من ثواب لمَنْ عبدها ؟ وماذا أعدَّتْ من عذاب لمن كفر بها . فكأن الحق - تبارك وتعالى - قال للسامري : ستُعاقب بنفس المجتمع الذي كنت تريد منه العِزّة والسُّلْطة والسيطرة والذكر ، فتتبرأ أنت منهم وتفرّ من جوارهم ، ولا تتحمل أنْ يمسَّك أحد منهم ، فهم سبب بلائك ، ومصدر فتنتك ، كما قال تعالى : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 67 ] . فأخلاءُ الباطل ، وصُحْبَة السوء الذين يجتمعون على معصية الله في سهرات مُحرَّمة عليهم أنْ يحذروا هذا اللقاء . أما الخُلّة الحقيقية الصادقة فهي للمتقين ، الذين يأتمرون بالحق ، ويتواصَوْن بطاعة الله . وفَرْق بين مَنْ يقاسمك الكأس ومَنْ يكسرها ويُريقها قبل أنْ تذوقها ، فَرْق بين مَنْ يلهيك عن الصلاة ومَنْ يحثُّك عليها ، فَرْق بين مَنْ يُسعِدك الآن بمعصية ومَنْ يحملك على مشقّة الطاعة ، فانظر وتأمَّلْ . ثم يقول : { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ … } [ طه : 97 ] أي : ما ينتظرك من عذاب الآخرة . { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } [ طه : 97 ] . عَاكِفاً أي : مقيماً على عبادته ، والاعتكاف : الإقامة في المسجد ، والانقطاع عن المجتمع الخارجي . ومعنى { لَّنُحَرِّقَنَّهُ … } [ طه : 97 ] أي : نُصيِّره كالمحروق ، بأنْ نبردَه بالمبرد حتى يصبح فُتاتاً وذرات متناثرة ، بحيث يمكن أن نذروه في الهواء { ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } [ طه : 97 ] أي : نذروه كما يفعل الفلاحون حين يذرون الحبوب لفَصْل القِشْر عنها بآلة تسمى المنسف تشبه الغربال ، وقد استبدلوا هذه الأدوات البدائية الآن بآلات ميكانيكية حديثة تُؤدِّي نفس الغرض . ذلك لأن إلهَ السَّامري كان هذا العجل الذي اتخذه من ذهب ، فلا يناسبه الحرق في النار ، إنما نريد له عملية أخرى ، تذهب به من أصله ، فلا نُبقِي له على أثر . وهذا هو إلهك الذي عبدته إنْ أفلح كان يدافع عن نفسه ويحمي رُوحَه . وبعد أن بَيَّن الحق - سبحانه - وَجْه البطلان فيما فعله السامري ، ومَنْ تبعه من القوم ، عاد لِيذكِّرهم بمنطقه الحق وجادة الطريق ، وأن كلَّ ما فعلوه هراء في هراء : { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ … } .