Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 98-98)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحق - تبارك وتعالى - حينما يقول : { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ … } [ طه : 98 ] نقولها نحن هكذا ، ونشهد بها ، فقد تعلَّمناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سمعها من ربه ونقلها إلينا ، فهي الشهادة بالوحدانية الحقّة ، شهادة من الله لذاته أولاً : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ … } [ آل عمران : 18 ] . فهذه شهادة الذات للذات قبل أنْ يخلق شاهداً يشهد بها . ثم شهدتْ له بذلك الملائكة شهادةَ المشهد أنه لا إله غيره ، ثم شهد بذلك أولو العلم شهادة استدلال بالمخلوقات التي رأوْها على أبدع نظام وأعجبه ، ولا يمكن أن ينشأ هذا كله إلا عن إله قادر . وقد سلمتْ لله تعالى هذه الدَّعوْى لأنها قضية صادقة شَهِد بها سبحانه لنفسه ، وشَهِد بها الملائكة وأولو العلم ولم يَقُمْ لها معارض يدِّعِيها لنفسه . وإلا - والعياذ بالله - أين ذلك الإله الذي أخذ الله تعالى منه الألوهية ؟ فإما أنْ يكون لا يعلم ، أو عَلِم بذلك ولم يعترض ، وفي كلتا الحالتين لا يستحق أن يكون إلهاً . والدَّعْوى إذا لم تُجْبَه بمعارض فقد سلمتْ لصاحبها ، إلى أن يُوجَد المعارض . وكأن الحق سبحانه قال : لا إله إلا أنا ، وأنا خالق الكون كله ومُدبِّر أمره ، ولم يَأْتِ أحد حتى من الكفار يدَّعي شيئاً من هذا . وقد ضربنا لهذه المسألة مثلاً - ولله المثل الأعلى - : هَبْ أنه نزل عندك مجموعة ضيوف وزوار ، وبعد انصرافهم وجدتَ حافظة نقود فسألتَ عن صاحبها ، فلم يدَّعِها أحد إلى أنْ قال واحد منهم : هي لي ، إذن : فهو صاحبها ، وهو أحقُّ بها حيث لم يَقُمْ له معارض . لذلك يقول تعالى : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } [ الإسراء : 42 ] . يعني إنْ كان هناك آلهة أخرى فلا بُدَّ أنْ يذهبوا إلى صاحب العرش ، إما ليخضعوا له ويستلهموا منه القدرة على فِعْل الأشياء ، أو ليُحاسبوه ويُحاكموه : كيف يدَّعي الألوهية وهم آلهة ؟ ولم يحدث شيء من هذا كله ، ولا أقام أحد دليلاً على أنه إله ، والدَّعْوى إذا لم يَقُمْ عليها دليل فهي باطلة . وينفي الحق سبحانه وجود آلهة أخرى ، فيقول في موضع آخر : { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ … } [ المؤمنون : 91 ] . فهذا إله للسماء ، وهذا إله للأرض ، وهذا الجن ، وهذا الإنس … إلخ ، وبذلك تكون الميْزة في أحدهم نقصاً في الآخر ، والقدرة في أحدهم عجزاً في الآخر ، وهذا لا يليق في صفات الألوهية . ونلحظ هنا في قوله تعالى : { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ … } [ طه : 98 ] أن كلمة إله لا تعني الله ، وإلا لو كان إلهاً بمعنى الله لأصبح المعنى : إنما الله الله . إذن : هناك فَرْق بين اللفظين : الله عَلَم على واجب الوجود الأعلى ، أما الإله فهو المعبود المطاع فيما يأمر ، فالمعنى : أن المعبود المطاع فيما يأمر به هو الله خالق هذا الوجود ، وصاحب الوجود الأعلى . فالله تعالى هو المعبود المطاع بحقٍّ ، لأن هناك معبوداً ومطاعاً لكن بالباطل ، كالذين يعبدون الشمس والقمر والأشجار والأحجار ويُسمُّونهم آلهة ، فإذا كانت العبادة إطاعة أمر ونهي المعبود ، فبماذا أمرتْهم هذه الآلهة ؟ وعن أيِّ شيء نهتْهم ؟ وماذا أعدَّتْ لمن عبدها أو لمن كفر بها ؟ إذن : هي معبودة ، لكن بالباطل لأنها آلهة بلا منهج . وكلمة { إِنَّمَآ … } [ طه : 98 ] لا تأتي إلا استدراكاً على باطل ، وتريد أن تُصوِّبه ، كأن تقول : إنما الذي حضر زيد ، فلا تقولها إلا لمن ادَّعى أن الذي حضر غير زيد ، فكأنك تقول : لا ، فلان لم يحضر ، إنما الذي حضر زيد . فلا بُدَّ أن قوله تعالى : { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ … } [ طه : 98 ] جاء رداً على كلام قيل يدَّعي أن هناك إلهاً آخر ، وإنما لا تُقال إلا إذا ادُّعِيَ أمر يخالف ما بعدها ، فتنفي الأمر الأول ، وتُثبت ما بعدها . وهنا يقول : { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ … } [ طه : 98 ] لأن السامريَّ لما صنع لهم العجل قال : { هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ … } [ طه : 88 ] فكذَّبه الله واستدرك بالحقِّ على الباطل : { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ … } [ طه : 98 ] . ثم أضاف الحق - تبارك وتعالى - ما يُفرِّق بين إله الحق وإله الباطل ، فقال : { وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } [ طه : 98 ] لأنه سبحانه هو الإله الحق ، وهذه أيضاً رَدٌّ على السامريّ وما اتخذه إلهاً من دون الله ، فالعجل الذي اتخذه لا عِلمَ عنده ، وكذلك السامري الذي أمر الناس بعبادته ، فلو كان عنده علم لعرفَ أن عِجْله سيُحرق ويُنسَف وتذروه الرياح ، ولعرفَ العاقبة التي انتهى إليها من قوله للقوم لا مساس ، وأنه سينزل به عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة ، فلو علم هذه الحقائق ما أقدمَ على هذه المسألة . ووسع علم الله لكل شيء يعني : مَنْ أطاع ومَنْ عصى ، لكن من رحمته تعالى بنا ألاَّ يحاسبنا عَمَّا علم منّا ، بل يعلمنا حين ندعوه أن نقول : { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً … } [ غافر : 7 ] فسبقتْ رحمته تعالى سيئاتنا وذنوبنا ، وسبقت عذابه ونقمته ، وفي موضع آخر يقول عز وجل : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ … } [ الأعراف : 156 ] . فلو وقفنا عند { وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } [ طه : 98 ] لأتعبتْنا هذه المسألة لأنه سيجازينا عن السيئة وعن الحسنة ، ومَنْ يطيق هذا ؟ ثم يُبيِّن الحق سبحانه حكمة القَصَص في القرآن ، والقَصَص لون من التاريخ ، وليس مطلق التاريخ ، القصص تاريخ لشيء مشهود يهمني وتفيدني معرفته ، وإلا فمن التاريخ أن نقول : كان في مكان كذا رجل يبيع كذا ، وكان يفعل كذا أو كذا . إذن : فالقصص حدث بارز ، وله تأثيره فيمَنْ سمعه ، وبه تحدث الموعظة ، ومنه تؤخذ العبرة . والتاريخ هو ربط الأحداث بأزمنتها ، فحين تربط أيَّ حدث بزمنه فقد أرَّخْتَ له ، فإذا كان حَدَثاً متميزاً نسميه قصة تُروَى ، فإنْ كانت قصة شهيرة تعلو على القصص كله نسميها سيرة ، لذلك خُصَّ باسم السيرة تاريخ قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن القَصَص شيء مميز ، أما السيرة فهي أميز ، ورسول الله خاتم الأنبياء لذلك نقول عن تاريخه سيرة ولا نقول قصة لأن واقعه في الحياة كان سَيْراً على منهج الله ، وعليه نزل القرآن ، وكان خُلقه القرآن . والقصص يأتي مرة بالحدث ، ثم تدور حوله الأشخاص ، أو يأتي بشخصية واحدة تدور حولها الأحداث ، فإذا أردتَ أن تؤرخ للثورة العرابية مثلاً وضعت الحدث أولاً ، ثم ذكرتَ الأشخاص التي تدور حوله ، فإنْ أردتَ التأريخ لشخصية عرابي وضعت الشخصية أولاً ، ثم أدرت حولها الأحداث . وقَصص القرآن يختلف عن غيره من الحكايات والقصص التي نسمعها ونحكيها من وضع البشر وتأليفهم ، فهي قصص مُخْتَرعة تُبنى على عُقْدة وَحلِّها ، فيأخذ القاصُّ حدثاً ، ثم ينسخ حوله أحداثاً من خياله . وبذلك يكونون قد أخذوا من القصص اسمه ، وعدلوا عن مُسمَّاه ، فهم يُسمُّون هذا النسيج قصة ، وليست كذلك لأن قصة من قصَّ الأثر اي : مشى على أثره وعلى أقدامه ، لا يميل عنها ولا يحيد هنا أو هناك . فالقصة - إذن - التزام حدثيٌّ دقيق لا يتحمل التأليف أو التزييف ، وهذا هو الفَرْق بين قَصَص القرآن الذي سماه الحق سبحانه وتعالى : { ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ … } [ آل عمران : 62 ] و { أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ … } [ يوسف : 3 ] وبين قَصَص البشر وتآليفهم . القصص الحقُّ وأحسن القصص لأنه ملتزم بالحقيقة لا يتجاوزها ، وله غاية سامية أَسْمى من قَصَص دنياكم ، فقَصَص الدنيا غايته وخلاصته - إن أفلح - أن يحميك من أحداث الدنيا ، أما قصص القرآن فحمايته أوسع لأنه يحميك في الدنيا والآخرة . فإنْ رأيتَ في قصص القرآن تكراراً فاعلم أنه لهدف وغاية ، وأنها لقطات شتَّى لجوانب الحدَث الواحد ، فإذا ما تجمعتْ لديك كل اللقطات أعطتك الصورة الكاملة للحدث . وهنا يقول تعالى : { كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ … } .