Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 31-31)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الرواسي : الجبال جمع رَاس يعني : ثابت ، وقد عبر عنها أيضاً بالأوتاد ، فقال : { وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } [ النبأ : 7 ] شبّه الجبال بالنسبة للأرض بالأوتاد بالنسبة للخيمة . ثم يذكر عِلَّة ذلك : { أَن تَمِيدَ بِهِمْ … } [ الأنبياء : 31 ] أي : مخافة أن تميل وتضطرب وتتحرك بهم ، ولو أنها مخلوقة على هيئة الثبوت ما كانت لتميد أو تتحرك ، وما احتاجت لأن يُثبِّتها بالجبال لذلك قال تعالى : { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ … } [ النمل : 88 ] . فليس غريباً الآن أن نعرف أن للجبال حركة ، وإنْ كنا لا نراها لأنها ثابتة بالنسبة لموقعك منها لأنك تسير بنفس حركة سيرها ، كما لو أنك وصاحبك في مركب ، والمركب تسير بكما ، فأنت لا تدرك حركة صاحبك لأنك تتحرك بنفس حركته . وقد شبَّه الله حركة الجبال بمرِّ السحاب ، فالسحاب لا يمرُّ بحركة ذاتية فيه ، إنما يمرُّ بدفْع الرياح ، كذلك الجبال لا تمرُّ بحركة ذاتية إنما بحركة الأرض كلها ، وهذا دليل واضح على حركة الأرض . ثم يقول تعالى : { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً … } [ الأنبياء : 31 ] أي من حكمة الله أنْ جعل لنا في الأرض سُبُلاً نسير فيها ، فلو أن الجبال كانت كتلة تملأ وجه الأرض ما صَلُحَتْ لحياة البشر وحركتهم فيها ، فقال { فِجَاجاً سُبُلاً … } [ الأنبياء : 31 ] أي : طرقاً واسعة في الوديان ، والأماكن السهلة . وفي موضع آخر قال : { لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً } [ نوح : 20 ] . ومعنى : { وَجَعَلْنَا فِيهَا … } [ الأنبياء : 31 ] يصح في الجبال أو في الأرض ، ففي كل منهما طرق يسلكها الناس ، وهي في الجبال على شكل شِعَاب ووديان . ثم يذكر سبحانه عِلَّة ذلك ، فيقول : { لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } [ الأنبياء : 31 ] والهداية هنا تحتَمل معنيين : يهتدون لخالقها ومكوِّنها ، ويستدلون بها على الصانع المبدع سبحانه ، أو يهتدون إلى البلاد والأماكن والاتجاهات ، وقديماً كانوا يتخذون من الجبال دلائل وإشارات ويجعلونها علامات ، فيصفون الأشياء بمواقعها من الجبال ، فيقولون : المكان الفلاني قريب من جبل كذا ، وعلى يمين جبل كذا ، وقد قال شاعرهم : @ خُذَا بَطْنَ هِرْشَى أو قَفَاهَا فَإنَّهُ كِلاَ جَانِبَي هَرْشَى لَهُنَّ طَريقُ @@ فالهداية هنا تشمل هذا وذاك ، كما في قوله تعالى : { وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } [ النحل : 16 ] أي : يهتدون إلى الطرق والاتجاهات ، وكان العربي يقول مثلاً : اجعل الثُّريَا عن يمينك أو النجم القطبي ، أو سهيل أو غيرها ، فكانوا على علم بمواقع هذه النجوم ويسيرون على هَدْيها . أو : يهتدون إلى أن للنجوم علاقة بحياة الإنسان الحيِّ ، وقديماً كانوا يقولون : فلان هَوَى نَجْمه ، كأن لكل واحد منا نجماً في السماء له علاقة ما به ، وهذه يعرفها بعض المختصين ، وربما اهتدوا من خلالها إلى شيء ، شريطة أن يكونوا صادقين أمناء لا يخدعون خَلْق الله . ويُؤيِّد هذا قوله تعالى : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } [ الواقعة : 75 - 76 ] أي : لو كنتم على معرفة بها لعلمتُم أن للنجوم دوراً كبيراً وعظيماً في الخَلْق . ثم يقول الحق سبحانه : { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً … } .