Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 81-81)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لا شكّ أن سليمان - عليه السلام - قد استفاد بما علَّم الله به أباه داود ، وأخذ من نعمة الله على أبيه ، وهنا يزيده ربه - تبارك وتعالى - أموراً يتميز بها ، منها الريح العاصفة أي : القوية الشديدة { تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا … } [ الأنبياء : 81 ] وكأنها مواصلات داخلية في مملكته من العراق إلى فلسطين . وفي موضع آخر قال : { وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ } [ ص : 35 - 36 ] . رُخَاء : أي : هيّنة ليّنة ناعمة ، وهنا قال { عَاصِفَةً … } [ الأنبياء : 81 ] فكأن الله تعالى جمع لهذه الريح صفة السرعة في عاصفة وصفة الراحة في رخاء ، وهاتان صفتان لا يقدر على الجمع بينهما إلا الله ، فنحن حين تُسْرِع بنا السيارة مثلاً لا تتوفر لنا صِفَة الراحة والاطمئنان ، بل يفزع الناس ويطلبون تهدئة السرعة . أما ريح سليمان فكانت تُسرع به إلى مراده ، وهي في الوقت نفسه مريحة ناعمة هادئة لا تُؤثِّر في تكوينات جسمه ، ولا تُحدِث له رجَّة أو قوة اندفاع يحتاج مثلاً إلى حزام أمان ، فمَنْ يقدر على الجمع بين هذه الصفات إلا الله القابض الباسط ، الذي يقبض الزمن في حق قوم ويبسطه في حق آخرين . ومعنى : { بَارَكْنَا فِيهَا … } [ الأنبياء : 81 ] أي : بركة حِسِّية بما فيها من الزروع والثمار والخِصْب والخيرات ، وبركة معنوية حيث جعل فيها مهابط الوحي والنبوات وآثار الأنبياء . وليس تسخير الريح لسليمان أنها تحمله مثلاً ، كما رأينا في السينما بساط الريح الذي نراه يحمل شيئاً ويسير به في الهواء ، أو : أنها كانت تُسيِّر المراكب في البحار ، إنما المراد بتسخيرها له أن تكون تحت مراده ، وتأتمر بأمره ، فتسير حيث شاء يميناً أو شمالاً ، فهي لا تهٌُبُّ على مرادات الطبيعة التي خلقها الله عليها ، ولكن على مراده هو . وإنْ كانت هذه الريح الرُّخَاء تحمله في رحلة داخلية في مملكته ، فهناك من الرياح ما يحمله في رحلات وأسفار خارجية ، كالتي قال الله تعالى عنها : { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ … } [ سبأ : 12 ] فيجوب بها في الكون كيف يشاء { حَيْثُ أَصَابَ } [ ص : 36 ] . ثم يقول تعالى : { وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } [ الأنبياء : 81 ] أي عندنا علْم نُرتِّب به الأمور على وَفْق مرادنا ، ونكسر لمرادنا قانون الأشياء فَنُسيِّر الريح كما نحب ، لا كما تقتضيه الطبيعة . ثم يقول الحق سبحانه : { وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ … } .