Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 82-82)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فبعد أنْ سخَّر الله له الريح سخَّر له الشياطين { يَغُوصُونَ لَهُ … } [ الأنبياء : 82 ] والغَوْصُ : النزول إلى أعماق البحر ليأتوه بكنوزه ونفائسه وعجائبه التي ادخرها الله فيه { وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ … } [ الأنبياء : 82 ] أي : مما يُكلِّفهم به سليمان من أعمال شاقة لا يقدر عليها الإنسان ، وقد شرحت هذه الآية في موضع آخر : { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ … } [ سبأ : 13 ] فأدخل مرادات العمل في مشيئته . والمحاريب جمع محراب ، وهو مكان العبادة كالقِبْلة مثلاً ، والجِفَان : جمع جَفْنة ، وهي القَصْعة الكبيرة الواسعة التي تكفي لعدد كبير ، والقدور الراسيات أي : الثابتة التي لا تنقل من مكان لآخر وهي مبنية . وقد رأينا شيئاً من هذا في الرياض أيام الملك عبد العزيز رحمه الله ، وكان هذا القدْر من الاتساع والارتفاع بحيث إذا وقف الإنسان ماداً ذراعيه إلى أعلى لا يبلغ طولها ، وفي الجاهلية أشتهرت مثل هذه القدور عند ابن جدعان ، وعند مطعم بن عدي . أما التماثيل فهي معروفة ، والموقف منها واضح منذ زمن إبراهيم عليه السلام حينما كسَّرها ونهى عن عبادتها ، وهذا يردُّ قول مَنْ قال بأن التماثيل كانت حلالاً ، ثم فُتِن الناس فيها ، فعبدوها من دون الله فَحرِّمت ، إذن : كيف نخرج من هذا الموقف ؟ وكيف يمتنّ الله على نبيه سليمان أن سخر له من يعملون التماثيل وهي مُحرَّمة ؟ نقول : كانوا يصنعون له التماثيل لا لغرض التعظيم والعبادة ، إنما على هيئة الإهانة والتحقير ، كأن يجعلوها على هيئة رجل جبار ، أو أسد ضخم يحمل جزءاً من القصر أو شرفة من شرفاته ، أو يُصوِّرونها تحمل مائدة الطعام … الخ . أي أنها ليست على سبيل التقديس . ثم يقول تعالى : { وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } [ الأنبياء : 82 ] حافظين للناس المعاصرين لهذه الأعمال حتى لا تؤذيهم الشياطين أو تفزعهم ، ومعلوم أن الشياطين يروْنَ البشر ، والبشر لا يرَوْنَهم ، كما قال تعالى : { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ … } [ الأعراف : 27 ] . أما سليمان عليه السلام فكان يرى الجنَّ ويراقبهم وهم يعملون له ، وفي قصته : { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ … } [ سبأ : 14 ] . وفي هذا دليل على أن الجن لا يعلمون الغيب لذلك قال تعالى : { فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ } [ سبأ : 14 ] . ويُقال : إن سليمان - عليه السلام - بعد أنْ امتنَّ الله عليه ، وأعطاه مُلْكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، أخذ هؤلاء الجن وحبسهم في القماقم حتى لا يعملوا لأحد غيره . هذه مجرد لقطة من قصة سليمان ، ينتقل السياق منها إلى أيوب عليه السلام : { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ … } .