Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 89-89)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لقد بلغ زكريا - عليه السلام - من الكبر عتياً ، ولم يرزقه الله الولد ، فتوجه إلى الله : { قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً * وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } [ مريم : 4 - 5 ] . فلما بشَّره الله بالولد تعجَّب لأنه نظر إلى مُعْطيات الأسباب ، كيف يرزقه الله الولد ، وقد بلغ من الكِبَر عتياً وامرأته عاقر ، فأراد أن يُؤكّد هذه البُشْرى : { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً * قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } [ مريم : 8 - 9 ] . يُطمئنُ الله تعالى نبيَّه زكريا : اطرح الأسباب الكونية للخَلْق لأن الذي يُبشِّرك هو الخالق . وقد تعلَّم زكريا من كفالته لمريم أن الله يُعطي بالأسباب ، ويعطي إن عزَّتْ الأسباب ، وقد تبارى أهل مريم في كفالتها ، وتسابقوا في القيام بهذه الخدمة لأنهم يعلمون شرفها ومكانتها لذلك أجروا القرعة على مَنْ يكفلها فأتوا بالأقلام ورموْها في البحر فخرج قلم زكريا ، ففاز بكفالة مريم : { ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } [ آل عمران : 44 ] . وإجراء القرعة لأهمية هذه المسألة ، وعِظَم شأنها ، والقرعة إجراء للمسائل على القَدَر ، حتى لا تتدخّل فيها الأهواء . فلما كفَل زكريا مريم كان يُوفِّر لها ما تحتاج إليه ، ويرعى شئونها ، وفي أحد الأيام دخل عليها ، فوجد عندها طعاماً لم يأْتِ به : { قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ آل عمران : 37 ] . وهنا مَلْخظ وإشارة إلى ضرورة متابعة ربِّ الأسرة لأسرته ، فإذا ما رأى في البيت شيئاً لم يأْتِ به فليسأل عن مصدره ، فربما امتدت يد الأولاد إلى ما ليس لهم ، إنه أصل لقانون " من أين لك هذا ؟ " الذي نحتاج إلى تطبيقه حين نشكّ . التقط زكريا إجابة مريم التي جاءتْ سريعة واثقة ، تدل على الحق الواضح الذي لا يتلجلج : { قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ آل عمران : 37 ] . نعم ، هذه مسألة يعرفها زكريا ، لكنها لم تكُنْ في بُؤْرة شعوره ، فقد ذكَّرْته بها مريم : { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } [ آل عمران : 38 ] . أي : ما دام الأمر كذلك ، فَهَبْ لي ولداً يرثُ النبوة من بعدي . ثم يذكر حيثيات ضَعْفه وكِبَر سِنِّه ، وكوْنَ امرأته عاقراً ، وهي حيثيات المنع لا حيثيات الإنجاب لأن الله يرزق مَنْ يشاء بغير حساب وبغير أسباب . وهكذا ، استفاد زكريا من هذه الكلمة ، واستفادتْ منها مريم كذلك فيما بعد ، وحينما جاءها الحَمْل في المسيح بدون الأسباب الكونية . وهنا يدعو زكريا ربه ، فيقول : { رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ } [ الأنبياء : 89 ] أي : لا أطلب الولد ليرث مُلْكي من بعدي ، فأنت خير الوارثين ترِثُ الأرضَ والسماء ، ولك كل شيء .