Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 90-90)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فلم تكُنْ استجابة الله لزكريا أنْ يهبه الولد حال كِبَره وكوْن امرأته عاقراً ، إنما أيضاً سماه ، ولله تعالى سِرٌّ في هذه التسمية لأن الناس أحرار في وَضْع الأسماء للمُسمّيات كما قلنا فلا مانع أن نسمي فتاة زنجية قمر لأن الاسم يخرج عن معناه الأصلي ، ليصير عَلَماً على هذا المسمى . إذن : هناك فَرْق بين الاسم وبين المسمَّى . وقد نُسمِّي الأسماء تفاؤلاً أن يكونوا كذلك ، كالذي سمَّي ولده يحيى ، ويظهر أنه كان يعاني من موت الأولاد لذلك قال : @ فَسمَّيْتُه يَحيى ليحيى فَلَم يكُنْ لِرَدِّ قَضَاءِ اللهِ فيه سَبيلُ @@ أي : سمَّيْته يحي أَملاً في أن يحيا ، لكن هذا لم يردّ عنه قضاء الله . وكذلك لما سمَّى عبد المطلب محمداً قال : سمَّيته محمداً ليُحمد في الأرض وفي السماء . لكن ، حين يُسمِّي يحيى مَنْ يملك الحياة ويملك الموت ، فلا بُدَّ أن يكون اسماً على مُسمَّى ، ولا بُدَّ له أن يحيا ، حتى إنْ مات يموت شهيداً ، لتتحقق له الحياة حتى بعد الموت . ومعنى : { وَوَهَبْنَا … } [ الأنبياء : 90 ] أي : أعطيناه بدون قانون التكوين الإنساني ، وبدون أسباب . ثم يقول سبحانه : { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ … } [ الأنبياء : 90 ] فبعَد أنْ كانت عاقراً لا تلد أجرينا لها عملية ربانية أعادتْ لها مسألة الإنجاب لأن المرأة تلد طالما فيها البويضات التي تكوِّن الجنين ، فإذا ما انتهتْ هذه البويضات قد أصبحت عقيماً ، وهذه البويضات في عنقود ، ولها عدد مُحدَّد أشبه بعنقود البيض في الدجاجة لذلك يسمون آخر الأولاد " آخر العنقود " . إذن : وُجِد يحيى من غير الأسباب الكونية للميلاد لأن المكوِّن سبحانه أراد ذلك . لكن ، لماذا لم يقُلْ لزكريا أصلحناك ؟ قالوا : لأن الرجل صالح للإنجاب ما دام قادراً على العملية الجنسية ، مهما بلغ من الكِبَر على خلاف المرأة المستقبِلة ، فهي التي يحدث منها التوقُّف . وأصحاب العُقْم وعدم الإنجاب نرى فيهم آيات من آيات الله ، فنرى الزوجين صحيحين ، أجهزتُهما صالحة للإنجاب ، ومع ذلك لا ينجبان ، فإذا ما تزوج كل منهما بزوج آخر ينجب لأن المسألة ليست آليّة ، بل وراء الأسباب الظاهرة إرادة الله ومشيئته . لذلك يقول تعالى : { لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً … } [ الشورى : 49 - 50 ] . ثم تُوضِّح الآيات سبب وعِلَّة إكرام الله واستجابته لنبيه زكريا - عليه السلام : { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } [ الأنبياء : 90 ] هذه صفات ثلاث أهَّلَتْ زكريا وزوجته لهذا العطاء الإلهي ، وعلينا أن نقف أمام هذه التجربة لسيدنا زكريا ، فهي أيضاً ليستْ خاصة به إنما بكل مؤمن يُقدِّم من نفسه هذه الصفات . لذلك ، أقول لمن يُعاني من العقم وعدم الإنجاب وضاقتْ به أسباب الدنيا ، وطرق باب الأطباء أن يلجأ إلى الله بما لجأ به زكريا - عليه السلام - وأهله { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } [ الأنبياء : 90 ] خذوها روشتة ربانية ، ولن تتخلف عنكم الاستجابة بإذن الله . لكن ، لماذا هذه الصفة بالذات : { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ … } [ الأنبياء : 90 ] ؟ قالوا : لأنك تلاحظ أن أصحاب العُقْم وعدم الإنجاب غالباً ما يكونون بُخَلاء مُمْسِكين ، فليس عندهم ما يُشجِّعهم على الإنفاق ، فيستكثرون أن يُخرجوا شيئاً لفقير لأنه ليس ولده . فإذا ما سارع إلى الإنفاق وسارع في الخيرات بشتى أنواعها ، فقد تحدَّى الطبيعة وسار ضدها في هذه المسألة ، وربما يميل هؤلاء الذين ابتلاهم الله بالعُقْم إلى الحقد على الآخرين ، أو يحملون ضغينة لمن ينجب ، فإذا طرحوا هذا الحقد ونظروا لأولاد الآخرين على أنهم أولادهم ، فعطفوا عليهم وسارعوا في الخيرات ، ثم توجَّهوا إلى الله بالدعاء رَغَباً ورَهَباً ، فإن الله تعالى وهو المكوِّن الأعلى يخرق لهم النواميس والقوانين ، ويرزقهم الولد من حيث لا يحتسبون . ومعنى : { وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } [ الأنبياء : 90 ] يعني : راضين بقدرنا فيهم ، راضين بالعُقْم على أنه ابتلاء وقضاء ، ولا يُرفع القضاء عن العبد حتى يرضى به ، فلا ينبغي للمؤمن أنْ يتمرَّد على قدر الله ، ومن الخشوع التطامن لمقادير الخَلْق في الناس .