Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 32-32)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ذٰلِكَ … } [ الحج : 32 ] كما قلنا في السابقة : إشارة إلى الكلام السابق الذي أصبح واضحاً معروفاً ، ونستأنف بعدها كلاماً جديداً تَنبَّه له . { وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ … } [ الحج : 32 ] الشعائر : جمع شعيرة ، وهي المعالم التي جعلها الله لعباده لينالوا ثوابه بتعظيمها ، فالإحرام شعيرة ، والتكبير شعيرة ، والطواف شعيرة ، والسَّعْي شعيرة ، ورمْي الجمار شعيرة … إلخ . وهذه أمور عظّمها الله ، وأمرنا بتعظيمها . وتعظيم الشيء أبلغ وأشمل من فِعْله ، أو أدائه ، أو عمله ، عَظَّم الشعائر يعني : أدَّاها بحبٍّ وعِشْق وإخلاص ، وجاء بها على الوجه الأكمل ، وربما زاد على ما طُلِبَ منه . ومثالنا في ذلك : خليل الله إبراهيم ، عندما أمره الله أنْ يرفع قواعد البيت : كان يكفيه أنْ يبني على قَدْر ما تطوله يده ، وبذلك يكون قد أدّى ما أُمِر به ، لكنه عشق هذا التكليف وأحبَّه فاحتال للأمر ووضع حجراً على حجر ليقف عليه ، ويرفع البناء بقدر ما ارتفع إليه . فمحبة أمر الله مَرْقي من مراقي الإيمان ، يجب أن نسموَ إليه ، حتى في العمل الدنيوي : هَبْ أنك نُقِلْتَ إلى ديوان جديد ، ووصل إلى عِلْمك أن مدير هذا الديوان رجل جادّ وصعب ، ويُحاسب على كل صغيرة وكبيرة ، فيمنع التأخير أو التسيّب أثناء الدوام الرسمي ، فإذا بك تلتزم بهذه التعليمات حرفياً ، بل وتزيد عليها ليس حباً في العمل ، ولكن حتى لا تُسئَل أمام هذا المدير في يوم من الأيام . إذن : الهدف أنْ نؤدي التكاليف بحُبٍّ وعِشْق يُوصِّلنا إلى حب الله عز وجل لذلك نجد من أهل المعرفة مَنْ يقول : رُبَّ معصية أورثتْ ذلاً وانكساراً خَيْر من طاعة أورثت عِزاً واستكباراً . فالمهم أن نصل إلى الله ، أن نخضع لله ، أنْ نذِلّ لعزته وجلاله ، والمعصية التي تُوصِّلك إلى هذه الغاية خير من الطاعة التي تُسلِمك للغرور والاستكبار . هذه المحبة للتكاليف ، وهذا العشق عبَّر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال : " وجُعلَتْ قُرَّة عيني في الصلاة " لذلك نَعَى القرآن على أولئك الذين { إِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً … } [ النساء : 142 ] . وابنته فاطمة - رضي الله عنها - كانت تجلو الدرهم وتلمعه ، فلما سألها رسول الله عما تفعل ، قالت : لأنني نويتُ أنْ أتصدَّق به ، وأعلم أنه يقع في يد الله قبل أنْ يقع في يد الفقير . هذا هو التعظيم لشعائر الله والقيام بها عن رغبة وحب . وفي عصور الإسلام الأولى كان الناس يتفاضلون بأسبقهم إلى صلاة الجماعة حين يسمع النداء ، وبآخرهم خروجاً من المسجد بعد أداء الصلاة ، ولك أن تقيس حال هؤلاء بحالنا اليوم . هؤلاء قوم عظَّموا شعائر الله فلم يُقدِّموا عليها شيئاً . وقد بلغ حُبُّ التكاليف وتعظيم شعائر الله بأحد العارفين إلى أنْ قال : لقد أصبحتُ أخشى ألاَّ يثيبني الله على طاعته ، فسألوه : ولماذا ؟ قال : لأنني أصبحتُ أشتهيها يعني : أصبحتْ شهوة عندي ، فكيف يُثاب - يعني - على شهوة ؟ ! لذلك أهل العزم وأهل المعرفة عن الله إذا ورد الأمر من الله وثبت أخذوه على الرَّحْب والسَّعَة دون جدال ولا مناقشة ، وكيف يناقشون أمر الله وهم يُعظِّمونه ؟ ومن هنا نقول للذين يناقشون في أمور فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل تعدُّد زوجاته مثلاً ويعترضون ، بل ومنهم مَنْ يتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا يليق . نقول لهم : ما دُمْتُم آمنتم بأنه رسول الله ، فكيف تضعون له موازين الكمال من عند أنفسكم . وتقولون : كان ينبغي أنْ يفعل كذا ، ولا يفعل كذا ؟ وهل عندكم من الكمال ما تقيسون به فِعْل رسول الله ؟ المفروض أن الكمال منه صلى الله عليه وسلم ومن ناحيته ، لا من ناحيتكم . ثم يقول سبحانه : { فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } [ الحج : 32 ] ليست من تقوى الجوارح ، بل تقوى قلب لا تقوى قالب ، فالقلب هو محلُّ نظر الله إليك ، ومحلُّ قياس تعظيمك لشعائر الله . وسبق أنْ ذكرنا أن الله تعالى لا يريد أنْ يُخضِع قوالبنا ، إنما يريد أنْ يُخضع قلوبنا ، ولو أراد سبحانه أنْ تخضع القوالب لخصعتْ له راغمة ، كما جاء في قوله تعالى : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [ الشعراء : 3 - 4 ] . وأنت تستطيع أنْ تُرغِم مَنْ هو أضعف منك على أيِّ شيء يكرهه ، إنْ شئتَ سجد لك ، لكن لا تملك أنْ تجعل في قلبه حباً أو احتراماً لك ، لماذا ؟ لأنك تجبر القالب ، أمّا القلب فلا سلطةَ لك عليه بحال . ثم يقول الحق سبحانه : { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى … } .