Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 53-53)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولسائل أن يقول : إذا كان الله تعالى ينسخ ما يُلقي الشيطان ، فلماذا كان الإلقاءُ بدايةً ؟ جعل الله الإلقاء فتنةً ليختبر الناس ، وليُميِّز مَنْ ينهض بأعباء الرسالة ، فهي مسئولية لا يقوم بها إلا مَنْ ينفذ من الفتن ، وينجو من إغراءات الشيطان ، ويتخطَّى عقباته وعراقيله لذلك قال تعالى عنهم : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [ آل عمران : 110 ] . وما تبوأتُم هذه المنزلة إلا لأنكم أهلٌ لحمْل هذه الأمانة ، تمرُّ بكم الفتن فتهزأون بها ولا تزعزعكم لذلك قال تعالى : { لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } [ الحج : 53 ] أي : نفاق ، فإنْ تعرَّض لفتنة انقلب على وجهه . يقول كما يقولون : سحر وكذب وأساطير الأولين . وكذلك فتنة { وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } [ الحج : 53 ] وهم الذين فقدوا لين القلب ، فلم ينظروا إلى الجميل عليهم في الكون خَلْقاً وإيجاداً وإمداداً ، ولم يعترفوا بفضل الله عليهم ، ولم يستبشروا به ويأتوا إليه . ونحن نلحظ الولد الصغير يأنس بأمه وأبيه ، ويركن إليهما لأنه ذاق حنانهما ، وتربَّى في رعايتهما ، فإنْ ربَّته مثلاً المربية حتى في وجود أمه فإنه يميل إليها ، ويألف حضنها ، ولا يلتفت لأمه ، لماذا ؟ لأنه نظر إلى الجميل ، من أين أتاه ، ومَنْ صاحب الفضل عليه فرقَّ له قلبه ، بصرف النظر مَنْ هو صاحب الجميل . فهؤلاء طرأوا على كَوْن الله ، لا حَوْلَ لهم ولا قوة ، فاستقبلهم بكل ألوان الخير ، ومع ذلك كانت قلوبهم قاسيةً مُتحجِّرة لا تعترف بجميل . ثم يقول سبحانه : { وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } [ الحج : 53 ] فهم ظالمون أولاً لأنفسهم حين نظروا إلى منفعة عاجلة قليلة ، وتركوا منفعة كبيرة دائمة . والشِّقاق : الخلاف ، ومنه قولنا : هذا في شِقٍّ ، وهذا في شِقٍّ ، يعني : غير ملتئمين ، وليْته شِقَاق هَيِّن يكون له اجتماع والتئام ، ليته كشِقَاق الدنيا بين الناس على عَرَضٍ من أعراض الحياة ، إنما هم في شقاق بعيد . يعني : أثره دائم ، وأثره فظيع . إذن : العلة الأولى لما يُلقِي الشيطان أن يكون فتنة . أما العلة الثانية ففي قوله تعالى : { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ … } .