Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 28-28)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱسْتَوَيْتَ } [ المؤمنون : 28 ] يعني : استعليتَ وركبتَ أنت ومَنْ معك على الفُلْك واطمأنّ قلبك إلى نجاة المؤمنين معك { فَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ } [ المؤمنون : 28 ] فلا بد للمؤمن أن يستقبل نِعَم الله عليه بالحمد ، وبألاَّ تُنسيه النعمةُ جلالَ المنعِم ، فساعةَ أنْ يستتب لك الأمر على الفُلْك وتطمئن بادر بحمد الله . وفي موضع آخر يقول سبحانه : { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ يونس : 12 ] . وكأن الحق - تبارك وتعالى - يعطينا حصانة ، ويجعل لنا أسوة بذاته سبحانه ، حتى إذا ما تعرضنا لنكران الجميل ممَّنْ أحسنَّا إليه لا نغضب لأن الناس ينكرون الجميل حتى مع الله عز وجل . لذلك لما قال موسى - عليه السلام - يا ربّ أسألك أَلاّ يُقال فيَّ ما ليس فيَّ . يعني : لا يتهمني الناس ظلماً ، فردَّ عليه ربه عز وجل : " يا موسى ، كيف ولم أصنع ذلك لنفسي " . إذن : فهذه مسألة لا يطمع فيها أحد ، ولو أن كل فاعل للجميل يضِنُّ به على الناس لأنهم ينكرونه لَفَسد الحال ، وتوقفت المصالح بين الخَلْق ، وضَنَّ أهل الخير بخيرهم لذلك وضع لنا ربنا - عز وجل - الأُسْوة بنفسه سبحانه . والإنسان إنْ كان حسيساً لا يقف عند إنكار الجميل ، إنما يتعدّى ذلك فيكره مَنْ أحسن إليه ويحقد عليه ، ذلك لأن الإنسان مجبول على حب النفس والتعالي والغطرسة ، فإذا ما رأى مَنْ أحسن إليه كرهه لأنه يدكُّ فيه كبرياء نفسه ، ويَحدُّ من تعاليه . ومن هنا قالوا : " اتق شرَّ من أحسنت إليه " لماذا ؟ لأنه يخزَى ساعة يراك ، وهو يريد أنْ يتعالى ، ووجودك يكسر عنده هذا التعالي . إذن : وطِّنْ نفسك على أن الجميل قد يُنكَر حتى لو كان فاعله رب العزة سبحانه ، فلا يحزنك أنْ يُنكَر جميلك أنت . وعن ذلك قال الشاعر : @ يَسِير ذَوُو الحاجَاتِ خلفَكَ خُضَّعاً فَإنْ أدركُوهَا خلَّفوكَ وهَرْوَلُوا وأفضلُهم مَنْ إنْ ذُكِرْت بسيءٍ توقَّفَ لا ينفي وقد يتقوّل فَلا تَدعِ المعْروفَ مهما تنكَّروا فَإنَّ ثوابَ اللهِ أرْبَى وأجزَلُ @@ فالمعنى : إذا استويتَ أنت ومَنْ معك ، واستتبَّ لك الأمر على الفُلْك ، فإياك أنْ تغتَرّ أو تنأى بجانبك فتنسى حَمْد الله على هذه النعمة لذلك أمرنا حين نركب أي مركب أن نقول : " بسم الله مجريها ومرساها " لأنك ما أجريتها بمهارتك وقوتك ، إنما باسم الله الذي ألهم ، وباسم الله الذي أعان ، وباسم الله الذي تابعني ، ورعاني بعينه ، وما دُمْتَ تذكر المنعم عند النعمة وتعترف لصاحب الفضل بفضله يحفظها لك . أما أنْ تنكرها على صاحبها ، وتنسبها لنفسك ، كالذي قال : { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي … } [ القصص : 78 ] فيقول : ما دام الأمر كذلك ، فحافظ أنت عليه . حتى في ركوب الدَّابّة يُعلِّمنا صلى الله عليه وسلم أنْ نقول : " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون " . وقوله تعالى : { ٱلَّذِي نَجَّانَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ المؤمنون : 28 ] وذكر النجاة لأن دَرْءَ المفسدة مُقدَّم على جَلْب المنفعة . ثم يُعلِّمه ربه دعاءً آخر يدعو به حين تستقر به السفينة على الجُودي ، وعندما ينزل منها ليباشر حياته الجديدة على الأرض : { وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ … } .