Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 29-29)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وفي موضع آخر قال سبحانه : { قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ … } [ هود : 48 ] لأنك ستنزل منها وليست هي مكان معيشتك . وكذلك دعا النبي صلى الله عليه وسلم فقال كما حكى القرآن : { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ … } [ الإسراء : 80 ] . فلا بُدَّ أن تذكر في النعمة المنعِمَ بها ، لذلك فالذين يُصابون في نعم الله عليهم بأعين الحاسدين ، ثِقْ تمام الثقة أنهم حين رأوْا نعمة الله عليهم لم يذكروا المنعِم بها ، ولو أن الإنسان حين يرى نعمة من نعم الله عليه في ماله أو ولده فيقول : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، ووضع النعمة في حماية المنعم لضمِن دوام نعمته وسلامتها من أعين الحاسدين لأنه وضعها تحت قانون الصيانة الإلهية . ومعنى : { مُنزَلاً مُّبَارَكاً … } [ المؤمنون : 29 ] الشيء المبارك : الذي يعطي فوق ما يتصور من حجمه ، كأن يعيش شخص براتب بسيط عيشة كريمة ويُربِّي أولاده أفضل تربية ، فيتساءل الناس : من أين له ذلك ؟ ونقول : إنها البركة التي تحلّ في القليل فيصير كثيراً ، صحيح أن الوارد قليل لكن يُكثِّره قلة المنصرف منه . وقد مثّلنا لذلك بواحد يرتزق من الحلال ، فيُيسِّر الله أمره ، ويقضي مصالحه بأيسر تكلفه ، فإذا مرض ولده مثلاً يشفيه الله بقرص أسبرين وكوب من الشاي ، ولا يفزع لمرضه لأنه مطمئن القلب ، راضي النفس ، واثق في معونة الله . أما الذي يتكسب من الحرام ويأكل الرشوة … الخ إنْ مرض ولده يُهرع به إلى الأطباء ويتوقع في ولده أخطر الأمراض ، فإنِ ارتشى بعشرة صرف عليها مائة . وسبق أن قلنا : إن هذه البركة هي رزق السَّلْب الذي لا يزيد من دخلك ، إنما يُقلِّل من مصروفاتك . وكلمة { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ } [ المؤمنون : 29 ] أم أنه سبحانه المُنزِل الوحيد ؟ الله خير المنزلين يعني : أباح أن يقال للعبد أيضاً مُنزِل حين يُنزل شخصاً في مكان مريح ، كأن يُسكنه مثلاً في شقة مريحة ، أو يستقبله ضيفاً عليه … الخ . وإنْ كنتَ منزِلاً بهذا المعنى ، فالله عز وجل هو خير المنزلين لأنه سبحانه حين يُنزلك ينزل على قَدْره تعالى ، وعلى قَدْر كرمه وعطائه . إذن : الحق - تبارك وتعالى - لم يضِنّ عليه خَلْقه أنْ يصفهم بما وصف به نفسه ، فلم يضنّ عليك أنْ يصفك بالخَلْق فقال : { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [ المؤمنون : 14 ] فأثبت لك صفة الخَلْق ، لأنك توجد معدوماً مع أنك تُوجده من موجود الله ، كأنْ تصنع من الرمل والنار كوباً من الزجاج مثلاً ، لكن ما توجده يظل جامداً على حالته لا ينمو ولا يتناسل ، وليست فيه حياة ، ومع ذلك سماك ربك خالقاً ، وكذلك قال : { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ } [ الأنبياء : 89 ] وقال : { خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } [ آل عمران : 54 ] . وكما أن الله عز وجل لم يضنّ عليك بهذه الصفات ، فلا تضنّ عليه سبحانه بأنه خير المنزلين ، وخير الوارثين ، وخير الماكرين ، وأحسن الخالقين . ثم يقول الحق سبحانه : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ … } .