Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 55-56)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه قضية شغلت كثيراً من المؤمنين حين يروْنَ الكافرين بالله مُرفَّهين مُنعّمين ، في يدهم المال والنفوذ ، في حين أن المؤمنين فقراء ، وربما تشكّك البعض واهتزَّ إيمانه لهذه المتناقضات . ونقول لهؤلاء : لم تكن هذه صورة المؤمنين في الماضي ، إنهم سادوا الدنيا بعلومهم وثقافاتهم وازدهرتْ حضارتهم على مدى ألف سنة من الزمان ، فلما تخلَّوْا عن دينهم وقِيَمهم حَلَّ بهم ما هم فيه الآن . لقد تقدم علينا الآخرون لأنهم أخذوا بأسباب الدنيا ، وينبغي علينا نحن المسلمين أن نأخذ أيضاً بهذه الأسباب لأنها من عطاء الربوبية الذي لا يُحرم منه لا مؤمن ولا كافر ، فَمنْ أحسنه نال ثمرته وأخذ خيره . قال سبحانه : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } [ الشورى : 20 ] . والأسباب يد الله الممدودة لخَلْقه ، فَمنْ ردَّ يد الله إليه فلا بُدَّ أن يشْقى في رحلة الحياة . وقد يكون تنعُّم هؤلاء مجرد ترف يجرُّهم إلى الطغيان ، كما جاء في قوله تعالى : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } [ الأنعام : 44 ] . لذلك فالحق - تبارك وتعالى - يعالج هنا هذه المسألة : { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ … } [ المؤمنون : 55 - 56 ] أيظنون أن هذا خير لهم ؟ لا ، بل هو إمهال واستدراج ليزدادوا طغياناً . وفي موضع آخر يقول سبحانه : { وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلدُّنْيَا … } [ التوبة : 85 ] . وقوله تعالى : { بَل لاَّ يَشْعُرُونَ … } [ المؤمنون : 56 ] بل : تفيد الإضراب عما قبلها وإثبات ما بعدها ، إضراب عن مسألة تنعُّم هؤلاء لأنها نعمة موقوته وزائلة ، وهي في الحقيقة عليهم نقمة ، لكنهم لا يشعرون ، لا يشعرون أن هذه النعمة لا تعني محبتهم ورضانا عنهم ، ولا يشعرون بالمكيدة وبالفخ الذي يُدبَّر لهم . وسبق أن أوضحنا أن الله تعالى حين يريد الانتقام من عدوه يُمدّه أولاً ، ويُوسِّع عليه ويُعلي مكانته ، حتى إذا أخذه كان أَخْذه مؤلماً وشديداً . وقوله تعالى : { نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ … } [ المؤمنون : 56 ] المسارعة ترد في كتاب الله على مَعَانٍ : مرة يتعدَّى الفعل بإلى ، مثل : { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ … } [ آل عمران : 133 ] ومرة يتعدى بفي ، مثل : { يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ … } [ المؤمنون : 61 ] فما الفرق بين المعنيين ؟ سارع إلى كذا : إذا كنتَ خارجاً عنه ، وتريد أن تخطو إليه خُطّىً عاجلة ، لكن إنْ كنتَ في الخير أصلاً وتريد أنْ ترتقي فيه تقول : سارع في الخيرات . فالأولى يخاطب بها مَنْ لم يدخل في حيِّز الخير ، والأخرى لمنْ كان مظروفاً في الخير ، ويريد الارتقاء .