Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 60-60)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يُؤْتُونَ … } [ المؤمنون : 60 ] يعني المال ، وقال بعدها : { مَآ آتَواْ … } [ المؤمنون : 60 ] حتى لا يجعل لها حدّاً ، لا العُشْر ولا نصف العُشر ، يريد سبحانه أن يفسح لأريحية العطاء وسخاء النفس ، لذلك جاءت { مَآ آتَواْ … } [ المؤمنون : 60 ] هكذا مُبْهمة حتى لا نظن أنها الزكاة ، ونعرف أن الله تعالى يفتح المجال للإحسانية والتفضُّل ، وهذا هو مقام الإحسان الذي قال الله تعالى عنه : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } [ الذاريات : 15 - 16 ] . والمحسن : الذي يلزم نفسه من الطاعات فوق ما ألزمه الله ، لكن من جنس ما فرض الله عليه ، فإن كان الفرض في الصوم شهر رمضان يصوم المحسن رمضان ويزيد عليه لذلك تجد الدقة في الأداء القرآني ، حيث يقول بعدها : { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ الذاريات : 17 - 18 ] . وهذه أمور فوق ما فرض الله عليهم ، ولم يطلب منك أن تقوم الليل لا تنام ، لكن صَلِّ العشاء ونَمْ حتى الفجر ، وهذه المسألة واضحة في قوله تعالى بعدها : { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [ الذرايات : 19 ] ولم يقل معلوم لأن الآية لا تتكلم عن الحق المعلوم وهو الزكاة ، إنما عن الصدقة والتطوع فوق ما فرض الله . والإبهام في { مَآ … } [ المؤمنون : 60 ] جاء أيضاً في قول الله تعالى : { فَغَشِيَهُمْ مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ } [ طه : 78 ] ولم يحدد مقدار الماء الذي غشيهم ، وترك المسألة مبهمة ليكون المعنى أبلغ ، ولتذهب الظنون في هَوْلها كل مذهب . لكن ما داموا قد أعْطوا ومدُّوا أيديهم للآخرين بالعطاء ، فلماذا يقول تعالى : { وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ … } [ المؤمنون : 60 ] . نقول : لأن العبرة ليست بمجرد العمل ، إنما العبرة بقبول العمل ، والعمل لا يُقبل إلا إذا كان خالصاً لوجه الله لا يخالطه رياء ولا سمعة ، فهم إذن يعملون ويتحرَّوْن الإخلاص وأسباب القبول ويتصدّق أحدهم بالصدقة ، بحيث لا تعلم شماله ما أنفقتْ يمينه ، ومع ذلك يخاف عدم القبول ، وهذه أيضاً من علامات الإيمان . وكأن ربك عز وجل يَغَار عليك أنْ تعمل عملاً لا تأخذ عليه أجراً لأنك إنْ رأيت الناس في شيء من العمل تركك الله وإياهم تأخذ منهم الجزاء ، فهذا إذن جَهْد مُهْدر لا فائدة منه ، وهذه المسألة لا يرضاها لك ربك . وفي الحديث القدسي : " الإخلاص سِرٌّ من أسراري أودعته قلب مَنْ أحببت من عبادي ، لا يطلع عليه مَلَك فيكتبه ، ولا شيطان فيفسده " . والوجل : انفعال قسري واضطراب يطرأ على العضو من خوف أو خشية ، والخوف شيء يخيفك أنت ، أما الخشية فهي أعلى من الخوف ، وهي أن تخاف ممن يوقع بك أذى أشد مما أنت فيه . ومن أهل التفسير مَنْ يرى أن الآية { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ . . } [ المؤمنون : 60 ] جاءت في الرجل الذي يسرق ، والذي يزني ، والذي يشرب الخمر ، لكن قلبه وَجلٌ من لقاء الله وخشيته ، فما يزال فيه بقية من بقايا الإيمان والحياء من الله تعالى . وقالوا : إن عائشة رضي الله عنها فهمت هذا من الآية . لكن هذا الفهم لا يستقيم مع قوله تعالى { يُؤْتُونَ … } [ المؤمنون : 60 ] أي : يؤتون غيرهم ، فهناك إذن مُؤتٍ ومُؤْتىً له ، ولو أراد السرقة والزنى وشرب الخمر لقال : يَأْتُون . فالمراد : يؤتون غيرهم ما عليهم من الحق ، سواء أكانت هذه الحقوق لله تعالى كالزكاة والكفارات والنذور والحدود ، أو كانت متعلقة بالعباد كالودائع والأمانات والعدالة في الحكم بينهم … الخ فيؤدي المؤمن ما عليه من هذه الحقوق ، وقلبه وَجِلٌ أَلاَّ يصاحب الإخلاص عمله فلا يقبل . ثم يقول تعالى : { أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } [ المؤمنون : 60 ] فالمؤمن يؤدي ما عليه ، ومع ذلك تراه خائفاً وَجِلاً لأنه يثق في الرجوع إلى الله والوقوف بين يديه سبحانه ، وهو ربه الذي يُجازيه على قّدْر إخلاصه ، ويخاف أيضاً أن يفتضح أمره إنْ خالط عملَه شيءٌ من الرياء لأن ربه غيور لا يرضى معه شريكاً في العمل ، وهو سبحانه يعلم كل شيء ويحاسب على ذرات الخير وعلى ذرات الشر . وهناك أعمال في ظاهرها أنها من الدين ، لكن في طيها شيء من الرياء ، وإنْ لم يَدْرِ الإنسان به ، ومن ذلك قولهم : أفعل هذا لله ثم لك ، أو : توكلت على الله وعليك … الخ ، فهذه العبارات وأمثالها تحمل في طياتها معاني الشرك التي ينبغي أن نُنزِّه الله منها ، فلا نعطف على الله تعالى أحداً حتى لا نشركه مع الله ، ولو عن غير قصد . لذلك يقول تعالى : { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } [ يوسف : 106 ] ويوم القيامة يطمئن أهل الإخلاص إلى الجزاء ، ويُفَاجأ أهل الشرك والرياء بوجود الله تعالى ، ولم يكن على بالهم حين عملوا : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ … } [ النور : 39 ] إذن : ما دُمْنَا سنفاجأ بوجود الحق ، ولا شيء غير الحق ، فليكُنْ عملنا للحق ، ولا شيء لغير الحق . { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ … } .