Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 62-62)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد أن تكلم الحق سبحانه عن المسارعة والمنافسة بيَّن أنها على قَدْر الوُسْع والطاقة ، وأنه سبحانه ما كلّفك إلا بعد عِلْمه بقدرتك ، وأنك تسع هذا التكليف ، فإياك أنْ تنظر إلى الحكم فتقول : أنا أسعه أو لا أسعه ، لكن انظر إلى التكليف : ما دام ربك قد كلّفك فاعلم أنه في وُسْعك ، وحين يعلم منك ربك عدم القدرة يُخفِّف عنك التكليف دون أنْ تطلب أنت ذلك . والأمثلة على تخفيف التكاليف واضحة في الصلاة والصوم والحج … الخ . والآن نسمع مَنْ يقول : لم تَعُد الطاقة في هذا العصر تسع هذه التكاليف ، فالزمن تغيّر ، والأعمال والمسئوليات كثرت ، إلى غير ذلك من هذه الأقوال التي يريد أصحابها التنصّل من شرع الله . ونقول : ما دام التكليف باقياً فالوُسْع بَاقٍ ، والحق - سبحانه وتعالى - أعلم بوُسْع خَلْقه وطاقاتهم . إذن : أنا أنظر أولاً إلى التكليف ، ثم أحكم على الوُسْع من التكليف ، ولا أحكم على التكليف من الوُسْع . ثم يقول سبحانه : { وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ المؤمنون : 62 ] المراد هنا كتاب أعمالنا الذي سجّل فيه كل شيء قدّمته الأيدي ، لكن : ما الحكمة من تسجيل الأعمال ؟ وهل يُكذِّب العباد ربهم عز وجل فيما سُجِّل عليهم ؟ قالوا : الحكمة من تسجيل الأعمال أن تكون حجة على صاحبها ، وليعلم أن الله ما ظلمه شيئاً لذلك سيقول له ربه : { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ … } [ الإسراء : 14 ] يعني : بنفسك حتى تُقام عليك الحجة ، ولا يكون عندك اعتراض . ثم قال بعدها : { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ المؤمنون : 62 ] لأن الظلم لا يُتصوّر من الحق - سبحانه وتعالى - فالظلم نتيجة الحاجة ، وأنت تظلم غيرك حين تريد أن تنتفع بأثر الغير في الخير زيادة عَمَّا عندك ، فالظلم إذن نتيجة الحاجة ، والحق سبحانه هو المعطي ، وهو الغني الذي لا حاجةَ له إلى أحد ، فلماذا يظلم ؟ كذلك قد يظلم الضعيف ليأخذ ما في يد غيره ليسُدّ حاجته أو شهوته ، ولو كان قوياً لكفى نفسه بمجهوده . ثم يقول الحق سبحانه : { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ … } .