Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 79-79)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ذَرَأَكُمْ … } [ المؤمنون : 79 ] بثكم ونشركم في أنحاء الأرض لتعمر كلها ، وتعجب حين ترى أناساً متشبثين بالجبال والصحراء القفر الجرداء ، ولا يرضون بها بديلاً ، ويتحملون في سبيل البقاء بها العَنَت والمشقة ، حتى إنك لتقول : لماذا لا يتركون هذا المكان إلى مكان خصب . وقد رأينا مثل هؤلاء الذين صبروا على أقدار الله في بلادهم ، رأيناهم في اليمن بعد أن أغرقها سيل العرم ، وكانت تُسمَّى " اليمن السعيد " ورأيناهم في السعودية وفي الكويت ، وحكى لنا أهل هذه البلاد ما كانوا فيه من الضيق وقسوة الحياة ، ثم جاءتهم عاقبة صبرهم ، وجعل الله - سبحانه وتعالى - هذه الجبال وهذه الصحراوات أغنى بلاد الدنيا لأنهم رَضُوا في الأولى بقضاء الله ، فأبدلهم بصبرهم على لأواء الصحراء نعيماً ، لو حُرِم منه المنعّمون في الدنيا لماتوا من البرد . ذلك لأن الخالق - عز وجل - نثر خيراته في كل أنحاء الأرض بالتساوي ، فكل قطعة طولية من الأرض فيها من الخيرات مثل ما في القطعة الأخرى ، وفي يوم من الأيام كان أصحاب الزرع هم أصحاب المال وأصحاب السيادة ، ثم تغيرت هذه الصورة بظهور خَيْرات أخرى غير الزراعة ، فالخيرات - إذن - مطمورة في أنحاء الأرض لكن لها أوان تظهر فيه . إذن : فبَثُّ الخليقة ونشْرُها في أنحاء الأرض له حكمة أرادها الخالق عز وجل . ثم يقول الحق سبحانه : { وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [ المؤمنون : 79 ] يعني : لا تفهموا أنكم بنشركم في الأرض وتفريقكم فيها أنكم تفلتون منا ، أو أننا لا نقدر على جمعكم مرة أخرى ، فكما نشرناكم لحكمة نجمعكم لحكمة لا يخرج من أيدينا أحد . ثم يقول الحق سبحانه : { وَهُوَ ٱلَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ ٱخْتِلاَفُ … } .