Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 23-23)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نلحظ أن الآيات تحدثتْ عن حَدِّ القذف وما كان من حادثة الإفك ، ثم ذكرت آية العتاب لأبي بكر في مسألة الرزق ، ثم عاد السياق إلى القضية الأساسية : قضية القذف ، فلماذا دخلتْ مسألة الرزق في هذا الموضوع ؟ قالوا : لأن كل معركة فيها خصومة قد يكون لها آثار تتعلق بالرزق ، والرزق تكفَّل الله به لعباده لأنه سبحانه هو الذي استدعاهم إلى الوجود ، سواء المؤمن أو الكافر ، وحين تعطي المحتاج فإنما أنت مناول عن الله ، ويد الله الممدودة بأسباب الله . والحق تبارك وتعالى يحترم ملكية الإنسان مع أنه سبحانه رازقه ومعطيه ، لكن طالما أعطاه صار العطاء مِلْكاً له ، فإنْ حَثَّه على النفقة بعد ذلك يأخذها منه قَرْضاً لذلك يقول سبحانه : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً … } [ البقرة : 245 ] . فإنْ أنفق الموسر على المعسر جعله الله قَرْضاً ، وتولّى سداده بنفسه ذلك لأن الله تعالى لا يرجع في هِبَته ، فطالما أعطاك الرزق ، فلا يأخذه منك إلا قَرْضاً . لذلك يقول تعالى : { هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ … } [ محمد : 38 ] . وفي موضع آخر يقول عن الأموال : { إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ } [ محمد : 38 ] لأن الإنسان تعب في جمع المال وعَرق في سبيله ، وأصبح عزيزاً عليه لذلك يبخل به ، فأخذه الله منه قَرْضاً مردوداً بزيادة ، وكان الرزق والمال بهذه الأهمية لأنه أول مَنَاط لعمارة الخليفة في الأرض لذلك ترك الحديث عن القضية الأساسية هنا ، وذكر هذه الآية التي تتعلَّق بالرزق . ومن ذلك أيضاً قوله تعالى : { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ … } [ البقرة : 238 ] وقد ذُكِرَتْ وسط مسائل تتعلق بالعِدَّة والكفارة ، وعِدَّة المتوفَّى عنها زوجها ، فما علاقة الصلاة بهذه المسائل ؟ قالوا : لأن النزاعات التي تحدث غالباً ما تُغيِّر النفس البشرية وتثير حفيظتها ، فإذا ما قمتَ للوضوء والصلاة تهدأ نفسك وتطمئن . وتستقبل مسائل الخلاف هذه بشيء من القبول والرضا . نعود إلى قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ٱلْغَافِلاَتِ … } [ النور : 23 ] المحصنة : لها إطلاقات ثلاث ، فهي المتزوجة لأن الإحصان : الحِفْظ وكأنها حفظتْ نفسها بالزواج ، أو هي العفيفة ، وإنْ لم تتزوج فهي مُحْصَنة في ذاتها ، والمحصنة هي أيضاً الحرة لأن عملية البِغَاء والزنا كانت خاصة بالإماء . و { ٱلْغَافِلاَتِ … } [ النور : 23 ] جمع غافلة ، وهي التي لا تدري بمثل هذه المسائل ، وليس في بالها شيء عن هذه العملية ، ومن ذلك ما ورد في الحديث الشريف " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل بريرة خادمة السيدة عائشة : ما تقولين في عائشة يا بريرة ؟ فقالت : تعجن العجين ثم تنام بجانبه فتأتي الدواجن فتأكله وهي لا تدري " وهذا كناية عن الغفلة لأنها ما زالت صغيرة لم تنضج نُضْج المراهقة ومع نُضْج المراهقة نُضْج اليقين والإيمان . وتلحظ هذه الغفلة في البنت الصغيرة حين تقول لها : أتتزوجين فلاناً ؟ تقول : لا أنا أتزوج فلاناً ، ذلك لأنها لا تدري معنى العلاقة الزوجية ، إنما حينما تكبر وتفهم مثل هذه الأمور فإنْ ذكرتَ لها الزواج تستحي وتخزى أن تتحدث فيه لأنها عرفتْ ما معنى الزواج . لذلك لما أمرنا الشرع باستئذان البنت للزواج جعل إذنها سكوتها ، فإن سكتتْ فهذا إذْن منها ، ودليل على فهمها لهذه العلاقة ، إنما إنْ قالت : نعم أتزوجه لأنه جميل و … و … ، فهذا يعني أنها لم تفهم بعد معنى الزواج . إذن : الغافلة حتى عن مسائل الزواج والعلاقات الزوجية ، ولا تدري شيئاً عن مثل هذه الأمور كيف تفكر في الزنا ؟ ثم يذكر ربنا - تبارك وتعالى - جزاء هذه الجريمة : { لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ النور : 23 ] . وإن كانت الغافلة هي التي ليس في بالها مثل هذه الأمور ، ولا تدري شيئاً حتى عن الزواج والعلاقات الزوجية بين الرجل والمرأة ، فكيف نقول : إنها تفكر في هذه الجريمة ؟ واللعْن : هو الطرد والإبعاد من رحمة الله ، وأيضاً الطرد والإبعاد عن حظيرة المؤمنين لأن القاذف حكمه أنْ يُقام عليه الحدُّ ، ثم تسقط شهادته ، ويسقط اعتباره في المجتمع الذي يعيش فيه ، فجمع الله عليه الخزي في الدنيا بالحدِّ وإسقاط الاعتبار ، إلى جانب عذاب الآخرة ، فاللعن في الدنيا لا يعقبه من عذاب الآخرة . وقلنا : إن العذاب : إيلام حَيٍّ ، وقد يُوصَف العذاب مرة بأليم ، ومرة بمهين ، ومرة بعظيم ، هذه الأوصاف تدور بين العذاب والمعذّب ، فمن الناس مَنْ لا يؤلمه الجَلْد ، لكن يهينه ، فهو في حقه عذاب مهين لكرامته ، أما العذاب العظيم فهو فوق ما يتصوَّره المتصوِّر لأن العذاب إيلام من مُعذِّب لمعذَّب ، والمعذَّب في الدنيا يُعذَّب بأيدي البشر وعلى قَدْر طاقته ، أمّا العذاب في الآخرة فهو بجبروت الله وقَهْر الله لذلك يُوصَف بأنه عظيم . ثم يقول الحق سبحانه : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ … } .