Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 37-37)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلنا : إن التجارة هي قمة حركة الحياة لأنها واسطة بين منتج زارع أو صانع وبين مستهلك ، وهي تقتضي البيع والشراء ، وهما قمة التبادلات ، وهؤلاء الرجال لم تُلْهِهِمْ التجارة عن ذِكْر الله لأنهم عرفوا ما في الزمن المستقطع للصلاة من بركة تنثر في الزمن الباقي . أو نقول : إن التجارة لم تُلْههم عن ذِكْر الله في ذاتها ، فهُمْ حالَ تجارتهم لا يغفلون عن ذكر الله ، وقد كنا في الصِّغَر نسمع في الأسواق بين البائع والمشتري ، يقول أحدهما للآخر : وحِّد الله ، صَلِّ على النبي ، مدَّح النبي ، بالصلاة على النبي ، كل هذه العبارات انقرضت الآن من الأسواق والتعاملات التجارية وحَلَّ محلَّها قيم وعبارات أخرى تعتمد على العَرْض والإعلان ، بل الغش والتدليس . ولم نَعُدْ نسمع هذه العبارات ، حتى إذا لم يتم البيع كنت تسمع البائع يقول : كسبنا الصلاة على النبي ، فهي في حَدِّ ذاتها مكسب حتى لو لم يتم البيع . { وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ … } [ النور : 37 ] الصلاة لأنها تأخذ وقتاً من العمل ، وكثيراً ما ينشغل المرء بعمله وتجارته عن إقامة الصلاة ظاناً أنها ستُضيِّع عليه الوقت ، وتُفوِّت عليه مصالح كثيرة ، وكذلك ينظر إلى الزكاة على أنها تنقص من ماله ، وهذه نظرة خاطئة حمقاء لأن الفلاح الذي يُخرِج من مخزنه أردباً من القمح ليزرع به أرضه : الأحمق يقول : المخزن نقص أردباً ، أما العاقل فيثق أن هذا الأردب سيتضاعف عند الحصاد أضعافاً مضاعفة . أو : أن الله تعالى يفيض عليه من أنواره ، فيبارك له في وقته ، وينجز من الأعمال من الوقت المتبقي ما لا ينجزه تارك الصلاة ، أو : يرزقه بصفقة رابحة تأتيه في دقائق ، ومن حيث لا يحتسب ، والبركة كما قلنا قد تكون سَلْباً وقد تكون إيجاباً ، وهذه كلها أنوار وتجليات يفيض الله بها على الملتزم بمنهجه . ثم يقول سبحانه في صفات هؤلاء الرجال : { يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ } [ النور : 37 ] ذلك لأنهم يتاجرون لهدف أسمى وأخلد ، فأهل الدنيا إنما يتاجرون لصيانة دنياهم ، أمّا هؤلاء فيتاجرون مع الله تجارة لن تبور ، تجارة تصون الدنيا وتصون الآخرة . وإذا قِسْتَ زمن دنياك بزمن أُخْراك لوجدته هباء لا قيمةَ له ، كما أنه زمن مظنون لعمر مظنون ، لا تدري متى يفاجئك فيه الموت ، أمّا الآخرة فحياة يقينية باقية دائمة ، وفي الدنيا يفوتك النعيم مهما حَلاَ وطال ، أما الآخرة فنعيمها دائم لا ينقطع . إذن : فَهُمْ يعملون للآخرة { يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ } [ النور : 37 ] واليوم في ذاته لا يُخاف منه ، وإنما يُخَاف ما فيه ، كما يقول الطالب : خِفْت يوم الامتحان ، واليوم يوم عادي لا يخاف منه ، إنما يُخاف مما سيحدث في هذا اليوم ، فالمراد : يخافون عذاب هذا اليوم . ومعنى { تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ } [ النور : 37 ] يعني : رجفة القلب واضطراب حركته ، وما ينتابه من خفقان شديد ، ونحن نرى ما يصيب القلوب من ذلك لمجرد أحداث الدنيا ، فما بالك بهوْل الآخرة ، وما يحدث من اضطراب في القلب ؟ كذلك تضطرب الأبصار وتتقلَّب هنا وهناك لأنها حين ترى الفزع الذي يخيفها تتقلب ، تنظر هنا وتنظر هنا عَلَّها ترى ما يُطمئنها أو يُخفِّف عنها ما تجد ، لكن هيهات فلن ترى إلا فزعاً آخر أشدّ وأَنكى . لذلك ينتهي الموقف إلى : { خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ … } [ القلم : 43 ] { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } [ النازعات : 8 - 9 ] يعني : ذليلة منكسرة حيث لا مفرَّ ولا مَنْجى ، ولن يجد في هذا اليوم راحة إلا مَنْ قدم له العمل الصالح كالتلميذ المجتهد الواثق من نفسه ومعلوماته ، يتلهف إلى ورقة الأسئلة ، أما الآخر فيقف حائراً لا يدري . ثم يقول الحق سبحانه : { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ … } .