Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 45-45)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الدابة : كلّ ما يدبُّ على الأرض ، سواء أكان إنساناً أو أنعاماً أو وحشاً ، فكُلُّ ما له دبيب على الأرض خلقه الله من ماء حتى النملة لها على الأرض دبيب . وكل شيء يضخم قابل لأنْ يُصغَّر ، وقد يُضخَّم تضخيماً لدرجة أنك لا تستطيع أن تدرك كُنْهه ، وقد يَصْغُر تصغيراً حتى لا تكاد تراه ، وتحتاج في رؤيته إلى مُكبِّر ، ومن عجائب الخَلْق أن النملة أو الناموسة فيها كل أجهزة الحياة ومُقوِّماتها ، وفيها حياة كحياة الفيل الضخم ، ومن عظمة الخالق سبحانه أن يخلق الشيء الضخم الذي يفوق الإدراك لضخامته ، ويخلق الشيء الضئيل الذي يفوق الإدراك لضآلته . ألاَ ترى أن ساعة بج بن أخذتْ شهرتها لضخامة حجمها ، ثم جاء بعد ذلك مَنْ صنع الساعة في حجم فصِّ الخاتم ، وفيها نفس الآلات التي في ساعة بج بن ، كذلك خلق الله من الماء الفيل الضخم ، وخلق الناموسة التي تؤرق الفيل رغم صِغَرها … سبحان الخالق . ولما كان الماء هو الأصل في خِلْقة كل شيء حيٍّ وجدنا العلماء يقتلون حتى الميكروب الصغير الدقيق بأنْ يحجبوا عنه المائية فيموت ، ومن ذلك مداواة الجروح بالعسل لأنه يمتص المائية أو يحجبها ، فلا يجد الميكروب وسطاً مائياً يعيش فيه . وهذه الخِلْقة ليست على شكل واحد ولا وتيرة واحدة في قوالب ثابتة ، إنما هي ألوان وأشكال { فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ … } [ النور : 45 ] . والمشي : هو انتقال الموصوف بالمشي من حَيِّز مكاني إلى حَيِّز مكاني آخر ، والناس تفهم أن المشي ما كان بالقدمين ، لكن يُوضِّح لنا سبحانه أن المشْي أنواع : فمن الدوابِّ مَنْ يمشي على بطنه ، ومنهم مَنْ يمشي على رِجْليْن ، ومنهم مَنْ يمشي على أربع . وربنا - سبحانه وتعالى - بسط لنا هذه المسألة بَسْطاً يتناسب وإعجاز القرآن وإيجازه ، فلم يذكر مثلاً أن من الدواب مَنْ له أربع وأربعون مثلاً ، وفي تنوع طُرق المشي في الدواب عجائب تدلنا على قدرته تعالى وبديع خَلْقه . لذلك قال بعدها : { يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ … } [ النور : 45 ] لأن الآية لم تستقْص كل ألوان المشي ، إنما تعطينا نماذج ، وتحت { يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ … } [ النور : 45 ] تندرج مثلاً أُم أربعة وأربعين وغيرها من الدواب ، والآية دليل على طلاقة قدرته سبحانه . وكما سخر الله الإنسان لخدمة الإنسان ، كذلك سخَّر الحيوان لخدمة الحيوان ليُوفِّر له مُقوِّمات حياته ، ألاَ ترى الطير يقتات على فضلات الطعام بين أسنان التمساح مثلاً فينظفها له ، إذن : فما في فم التمساح من الخمائر والبكتيريا هي مخزن قوت لهذه الطيور ، ويحدث بينها توافق وانسجام وتعاون ، حتى إن الطير إنْ رأى الصياد الذي يريد أن يصطاد التمساح فإنها تُحدِث صوتاً لتنبه التمساح حتى ينجو . ومن المشْيِ أيضاً السَّعْي بين الناس بالنميمة ، كما قال تعالى : { هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ } [ القلم : 11 ] . وبعد أن أعطانا الحق - تبارك وتعالى - الأدلة على أن المْلك له وحده ، وأن كل شيء يُسبِّح بحمده تعالى وإليه تُرجَع الأمور ، وأنه تعالى خلق كُلَّ دابة من ماء ، قال سبحانه : { لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ … } .