Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 46-46)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني : مَنْ ملك هذا الملْك وحده ، وخلق لكم هذه العجائب أنزل لكم آيات بينات تحمل إليكم الأحكام ، فكما فعل لكم الجميل ، ووفر لكم ما يخدمكم في الكون ، سمائه وأرضه ، فأدُّوا أنتم ما عليكم نحو منهجه وأحكامه ، واتبعوا هذه الآيات البينات . ومعنى : { مُّبَيِّنَاتٍ … } [ النور : 46 ] أي : لاستقامة حركة الحياة لأن حركة الحياة تحتاج لأنْ يتحرك الجميع ويؤدي كُلٌّ مهمته حتى تتساند الحركات ولا تتعاند ، فالذي يُتعب الدنيا أن تبنى وغيرك يهدم . إذن : لا بُدَّ من ضابط قيمي يضبط كل الحركات ويحثّ كل صانع أنْ يتقن صَنْعته ويُخلِص فيها ، والإنسان غالباً لا يحسن إلا زاوية واحدة في حياته ، هي حرفته وتخصصه ، وربما لا يحسنها لنفسه لأنه لا يتقاضى عليها أجراً ، لذلك يقولون باب النجار مخلع أما إنْ عمل للآخرين فإنه يُحسِن عمله ويتقن صنعته ، وكذلك يتقن الناس لك ما في أيديهم ، فتستقيم الأمور ، فأحْسن ما في يدك للناس ، يحسنْ لك الناسُ ما في أيديهم . وقوله تعالى : { وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ النور : 46 ] . ولقائل أنْ يسأل : وما ذنب مَنْ لم يدخل في هذه المشيئة فلم يَهْتد ؟ وسبق أن قلنا : إن الهداية نوعان : هداية الدلالة وهداية المعونة على الدلالة . فالله تعالى يهدي الجميع هداية الدلالة ، ويبين للكل أسباب الخير وسُبل النجاة وطريق الفلاح والأسلوب الأمثل في إدارة حركة الحياة ، فمَنْ سمع كلام الله ووثق في توجيهه وأطاع في هداية الدلالة أعانه بهداية المعونة . فساعة تسمع : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [ المائدة : 108 ] . { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [ البقرة : 258 ] . فاعلم أنهم امتنعوا عن هداية الدلالة فامتنعت عنهم هداية المعونة ، لا هداية الدلالة والإرشاد والبيان . وقلنا : إن كلمة { أَنزَلْنَآ … } [ النور : 46 ] تشعر باحترام الشيء المنزّل لأن الإنزال لا يكون إلا من العُلُو إلى الأدنى ، فكأن ربك - عز وجل - حين يكلفك يقول لك : أريد أن أرتفع بك من مستوى الأرض إلى عُلو السماء لذلك يقول تعالى في موضع آخر : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ … } [ الأنعام : 151 ] . أي : لا تضعوا لأنفسكم القوانين ، ولا تسيروا خلف آرائكم وأفكاركم ، إنما تعالوا إلى الله وخذوا منه سبحانه منهج حياتكم ، فهو الذي خلقكم ، وخلق لكم هذه الحياة . ثم يقول الحق سبحانه : { وَيَِقُولُونَ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ … } .