Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 56-56)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

دائماً ما يقرن القرآن بين هذيْن الركنين ، وتأتي الزكاة بعد الصلاة ذلك لأن الصلاة هي الركن الوحيد الذي فُرِض من الله مباشرة ، أما بقية الأركان فقد فُرِضَتْ بالوحي ، وضربنا لذلك مثلاً ، ولله تعالى المثَل الأعلى بالرئيس الذي يُكلِّف مرؤوسيه بتأشيرة أو بالتليفون ، فإنْ كان الأمر مُهماً استدعى الموظف المختص إلى مكتبه وكلَّفه بهذا الأمر مباشرة لأهميته . فكذلك الحق - تبارك وتعالى - أمر بكل التكاليف الشرعية بالوحي ، إلا الصلاة فقد فرضها على رسول الله بعد أن استدعاه إلى رحلة المعراج فكلّفه بها مشافهةً دون واسطة ، ولما يعلمه الله تعالى من محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته قال له : " أنا فرضتُ عليك الصلاة بالقرب ، وكذلك أجعلها للمصلى في الأرض بالقرب ، فإنْ دخل المسجد وجدني " . وإنْ كانت أركان الإسلام خمسة ، فإن الشهادة والصلاة هما الركنان الدائمان اللذان لا ينحلان عن المؤمن بحال من الأحوال ، فقد لا تتوفر لك شروط الصوم أو الزكاة أو الحج فلا تجب عليك ، كما أن الصلاة هي الفريضة المكررة على مدار اليوم والليلة خمس مرات ، وبها يتم إعلان الولاء لله دائماً ، وقد وزَّعها الحق سبحانه على الزمن ليظل المؤمن على صلة دائمة بربه كلما شغلتْه الدنيا وجد الله أكبر تناديه . وانظر إلى عظمة الخالق - عز وجل - حين يطلب من صنعته أن تقابله وتعُرض عليه كل يوم خمس مرات ، وهو سبحانه الذي يطلب هذا اللقاء ويفرضه عليك لمصلحتك أنت ، ولك أن تتصور صنعة تعُرض على صانعها كل يوم خمس مرات أيصيبها عَطَب ؟ وربك هو الذي يناديك ويدعوك للقائه ويقول : " لا أملّ حتّى تملَّوا " ومن رحمته بك ومحبته لك تركَ لك حرية اختيار الزمان والمكان ، وترك لك حرية إنهاء المقابلة متى تشاء ، فإنْ أردتَ أنْ تظلّ في بيته وفي معيته فعلى الرَّحْب والسَّعَة . ولأهمية الصلاة ومكانتها في الإسلام اجتمع فيها كل أركان الإسلام ، ففي الصلاة تتكرر الشهادة : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وفي الصلاة زكاة لأن الزكاة فرع العمل ، والعمل فرع الوقت ، والصلاة تأخذ الوقت نفسه ، وفيها صيام حيث تمتنع في الصلاة عما تمتنع عنه في الصوم بل وأكثر ، وفيها حج لأنك تتجه في صلاتك إلى الكعبة . إذن : فالصلاة نائبة عن جميع الأركان في الاستبقاء ، لذلك كانت هي عمود الدين ، والتي لا تسقط عن المؤمن بحال من الأحوال حتى إنْ لم يستطع الصلاة قائماً صلى جالساً أو مضطجعاً ، ولو أن يشير بأصبعه أو بطرفه أو حتى يخطرها على باله ذلك لاستدامة الولاء بالعبودية لله المعبود . والصلاة تحفظ القيم ، فتُسوِّي بين الناس ، فيقف الغني والفقير والرئيس والمرؤوس في صَفٍّ واحد ، الكل يجلس حَسْب قدومه ، وهذا يُحدِث استطراقاً عبودياً في المجتمع ، ففي الصلاة مجال يستوي فيه الجميع . وإنْ كانت الصلاة قوامَ القيم ، فالزكاة قوام المادة لمنْ ليستْ له قدرة على الكسب والعمل . إذن : لدينا قوانين للحياة ، ولاستدامة الخلافة على الأرض قوام القيم في الصلاة ، وقوام المادة في الزكاة . ثم يقول سبحانه : { وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ النور : 56 ] وهنا في الصلاة والزكاة خَصَّ الرسول بالإطاعة لأنه صاحب البيان والتفصيل لما أجمله الحق سبحانه في فرضية الصلاة والزكاة ، حيث تفصيل كل منهما في السُّنة المطهرة ، فقال : { وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ … } [ النور : 56 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ … } .