Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 62-62)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المؤمن : مَنْ آمن بإله وآمن بالرسول المبلّغ عن الإله ، وما دُمْتَ قد آمنتَ بالرسول المبلِّغ عن الله فلا بُدَّ أن تكون حركتك خاضعةً لأوامره ، ويجب أن تكون ذاتك له ، فإذا رأى الرسول أمراً جامعاً يجمع المسلمين في خَطْب أو حدث أو حرب ، ثم يدعوكم إلى التشاور لِيُدلي كل منكم برأيه وتجربته ، ويُوسِّع مساحة الشورى في المجتمع ليأتي الحكم صحيحاً سليماً موافقاً للمصلحة العامة . فالمؤمن الحق إذا دُعِي إلى مثل هذا الأمر الجامع ، لا يقوم من مجلسه حتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس إلزاماً أنْ يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن أمر المسلمين الجامع لهم قد يكون أهمّ من الأمر الذي يشغلك ، وتريد أن تقوم من أجله ، وتترك مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ … } [ النور : 62 ] فالاستئذان هنا من علامات الإيمان ، لا يقوم خِلْسة وينسلت من المجلس ، لا يشعر به أحد ، لا بُدَّ من أن يستأذن رسول الله حتى لا يُفوت مصلحة على المؤمنين ، ولربما كان له رَأْيٌ ينتفع به . والرسول إنما يستشير أصحابه ليستنير برأيهم وتجاربهم ، فحين يدعوهم إلى أمر جامع يجب أن يُفهم هذا الأمر على نطاق منزلة الرسول من بلاغه عن الله للأمة ، فإذا دعا نفر نفراً للتشاور ، فإنما يتشاوران في أمر شخصي يخصُّ صاحبه ، لكن حين يدعوهم رسول الله لا يدعو لخصوصية واحدة ، وإنما لخصوصية أمة ، شاء الله أن تكون خير أمة أُخْرِجَتْ للناس ، وسوف يستفيد الفرد أيضاً من هذه الدعوة ، وربما كانت استفادته من الاستجابة للدعوة العامة التي تنتظم كل الناس خَيْراً من استفادته من دعوته الخاصة ، فيجب أنْ يُقدِّر المدعو هذا الفارق . ومع وجود هذا الفارق لم يَحرِم اللهُ بعضَ الناس الذين لهم مشاغل أنْ يستأذنوا فيها رسول الله وينصرفوا لذا شرع لهم الاستئذان ، لكن يجب أنْ يضعوا هذا الفارق في بالهم ، وأنْ يذكروا أنهم انصرفوا لبعض شأنهم ، والرسول قائم في أمر لشئون الدنيا كلها إلى أنْ تقوم الساعة . فكأنه إنْ شارك في هذا الاجتماع فسيستفيد كفرد ، وستستفيد أمته : المعاصرون منهم والآتُون إلى أنْ تقومَ الساعة ، فإنْ فضّل شأنه الخاص على هذه الشئون فقد أساء ، وفعل مَا لا يليق بمؤمن لذلك أُمر رسول الله أنْ يأذنَ لمنْ يشاء ، ثم يستغفر له اللهَ . يقول سبحانه : { فَإِذَا ٱسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ … } [ النور : 62 ] فالأمر متروك لرسول الله يُقدِّره حَسْب مصلحة المسلمين العامة ، فَلَهُ أن يأذنَ أو لا يأذنَ . إذن : لا بُدَّ من استئذان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأذن لمَنْ يشاء منهم ممَّنْ يرى أن في الباقين عِوَضاً عنه وعن رأيه ، فإنِ استأذن صاحب رأي يستفيد منه المسلمون لم يأذن له . ثم يقول سبحانه : { وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمُ ٱللَّهَ … } [ النور : 62 ] ، وكأن مسألة الاستئذان والقيام من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر لا يريده الله تعالى . حتى إن استأذنتَ لأمر يهمك ، وحتى إنْ أَذِن لك رسول الله ، فالأفضل ألاَّ تستأذن لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حين يدعو لأمر جامع يُهِمّ جماعة المسلمين ، يجب ألاَّ ينشغل أحد عَمَّا دُعِي إليه ، وألاَّ يُقدِّم على مصلحة المسلمين ومجلس رسول الله شيئاً آخر ، ففي الأمر الجامع ينبغي أنْ يُكتّل الجميع مواهبهم وخواطرهم في الموضوع ، وساعة تستأذن لأمر يخصُّك فأنت منشغل عن الجماعة شارد عنهم . فحين تنشغل بأمرك الخاص عن أمر المسلمين العام ، فهذه مسألة تحتاج إلى استغفار لك من رسول الله ، فالرسول يأذن لك ، ثم يستغفر لك الله . ثم يقول الحق سبحانه : { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً … } .