Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 63-63)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله سبحانه : { لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً … } [ النور : 63 ] فأنتم يدعو بعضكم بعضاً في مسألة خاصة ، لكن الرسول يدعوكم لمسألة عامة تتعلق بحركة حياة الناس جميعاً إلى أنْ تقوم الساعة . أو : أن الدعاء هنا بمعنى النداء يعني : يناديكم الرسول أو تنادونه لأن لنداء الرسول صلى الله عليه وسلم آداباً يجب مراعاتها ، فهو ليس كأحدكم تنادونه : يا محمد ، وقد عاب القرآن على جماعة لم يلتزموا أدب النداء مع رسول الله ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [ الحجرات : 4 ] . فأساءوا حين قالوا : يا محمد ، ولو قالوا حتى : يا أيها الرسول فقد أساءوا لأنه لا يصحّ أنْ يتعجّلوا رسول الله ، ويجب أنْ يتركوه على راحته ، إنْ وجد فراغاً للقائهم خرج إليهم ، إذن : أساءوا من وجهين . ولا يليق أن نناديه صلى الله عليه وسلم باسمه : يا محمد . لأن الجامع بين الرسول وأمته ليس أنه محمد ، إنما الجامع أنه رسول الله ، فلا بُدَّ أنْ نناديه بهذا الوصف . ولِمَ لا وربه عز وجل وهو خالقه ومصطفيه قد ميّزه عن سائر إخوانه من الرسل ، ومن أولي العزم ، فناداهم بأسمائهم : { يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ … } [ البقرة : 35 ] . وقال : { يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا … } [ هود : 48 ] . وقال : { يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ … } [ الصافات : 104 - 105 ] . وقال : { يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ … } [ القصص : 30 ] . وقال : { يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ … } [ المائدة : 116 ] . وقال : { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ … } [ ص : 26 ] . لكن لم يُنَادِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم باسمه أبداً ، إنما يناديه بـ " يٰأيها " الرسول ، يٰأيها النبي . فإذا كان الحق - تبارك وتعالى - لم يجعل دعاءه للرسول كدعائه لباقي رسله ، أفندعوه نحن باسمه ؟ ينبغي أن نقول : يا أيها الرسول ، يا أيها النبي ، يا رسول الله ، يا نبي الله ، فهذا هو الوصف اللائق المشرِّف . وكما نُميِّز دعاء رسول الله حين نناديه ، كذلك حين ينادينا نحن يجب أن نُقدِّر هذا النداء ، ونعلم أن هذا النداء لخير عام يعود نفعه على الجميع . ثم يقول الحق سبحانه وتعالى : { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ النور : 63 ] . لا شكَّ أن الذين يستأذنون رسول الله فيهم إيمان ، فيُراعون مجلس رسول الله ، ولا يقومون إلا بإذنه ، لكن هناك آخرون يقومون دون استئذان : { يَتَسَلَّلُونَ … } [ النور : 63 ] والتسلل : هو الخروج بتدريج وخُفْية كأنْ يتزحزح من مكان لآخر حتى يخرج ، أو يُوهِمك أنه يريد الكلام مع شخص آخر ليقوم فينسلِتُ من المجلس خُفْية ، وهذا معنى { يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً . . } [ النور : 63 ] يلوذ بآخر ليخرج بسببه . ويحذر الله هؤلاء : { فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ … } [ النور : 63 ] والتحذير إنذار بالعاقبة السيئة التي تترتب على الانسحاب من مجلس رسول الله ، كأنه يقول لهم : قارنوا بين انسحابكم من مجلس الرسول وبين ما ينتظركم من العقاب عليه . وقال : { يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ … } [ النور : 63 ] لا يخالفون أمره ، فجعل في المخالفة معنى الإعراض ، لا مجرد المخالفة ، فالمعنى : يُعرِضون عنه . والأمر : يُراد به فعل الأمر أو النهي أو الموضوع الذي نحن بصدده يعني : ليس طلباً ، وهذا المعنى هو المراد هنا : أي الموضوع الذي نبحثه ونتحدث فيه ، فانظروا ماذا قال رسول الله ولا تخالفوه ولا تعارضوه لأنه وإنْ كان بشراً مثلكم إلا أنه يُوحَى إليه . لذلك يحدد الرسول صلى الله عليه وسلم مركزه كبشر وكرسول ، فيقول : " يَرِدُ عليَّ - يعني من الحق الأعلى - فأقول : أنا لست كأحدكم ، ويُؤخَذ مني فأقول : ما أنا إلا بشر مثلكم " . لذلك كان الصحابة يفهمون هذه المسألة ، ويتأدبون فيها مع رسول الله ، ويسألونه في الأمر : أهو من عند الله قد نزل فيه وَحْي ، أم هو الرأْي والمشورة ؟ فإنْ كان الأمر فيه وَحْيٌ من الله فلا كلامَ لأحد مع كلام الله ، وإنْ كان لم يرد فيه من الله شيء أدْلَى كُلٌّ منهم برأيه ومشورته . وهذا حدث فعلاً " في غزوة بدر حين نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً رأى بعض الصحابة أن غيره خير منه ، فسألوا رسول الله : أهذا منزل أنزلكَهُ الله ، أم هو الرأْيُ والمشورة ؟ فقال : " بل هو الرأي والمشورة " فأخبروه أنه غير مناسب ، وأن المكان المناسب كذا وكذا " . وقوله تعالى : { أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ … } [ النور : 63 ] أي : في الدنيا { أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ النور : 63 ] أي : في الآخرة ، فإنْ أفلتوا من فتنة الدنيا فلنْ يُفلتوا من عذاب الآخرة . ثم تختم السورة بقوله تعالى : { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } .