Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 2-2)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في آخر سورة النور قال سبحانه : { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ النور : 64 ] فذكر ملكية المظروف ، وهنا قال : { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ الفرقان : 2 ] فذكر مِلْكية الظرف أي : السماوات والأرض . ثم تكلّم سبحانه في مسألة القمة التي تجرّأوا عليها ، فقال : { وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ … } [ الفرقان : 2 ] . وسبق أنْ تكلمنا كثيراً عن مسألة اتخاذ الولد والحكمة منها ، فالناس تحب الولد ، إما ليكون امتداداً للذكْر ، وإما ليساند والده حالَ ضَعْفه ، وإما للكثرة ، والحق - تبارك وتعالى - هو الحيُّ الباقي الذي لا يموت ، ولا يحتاج لمن يُخلِّد ذِكْراه ، وهو القويُّ الذي لا يحتاج لغيره ، فَلِمَ إذنْ يتخذ ولداً ؟ وقوله : { وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ … } [ الفرقان : 2 ] وهذا أمر يؤيده الواقع لأن الله تعالى أول ما شَهِد شهد لنفسه ، فقال سبحانه : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ … } [ آل عمران : 18 ] . أي : لما خلقتُ الملائكة شهدوا لله تعالى ، ثم شهد أولو العلم بالاستدلال ، فشهادة الحق سبحانه لنفسه شهادة الذات للذات ، والملائكة شهدتْ شهادةَ المشاهدة ، ونحن شهدنا شهادةَ الاستدلال والبرهان . والحق - تبارك وتعالى - يُعطينا الدليل على صِدْق هذه الشهادة ، فيقول تعالى : { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ … } [ المؤمنون : 91 ] . وقال سبحانه : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } [ الإسراء : 42 ] . وهذا هو التفصيل المنطقي العاقل الذي نردُّ به على هؤلاء ، فلو كان مع الله تعالى آلهة أخرى لَذهبَ كل منهم بجزء من الكون ، وجعله إقطاعية خاصة به ، وعَلاَ كل منهم على الآخر وحاربه ، ولو كان معه سبحانه آلهة أخرى لاجتمعوا على هذا الذي أخذ الملْك منهم ليحاكموه أو ليتوسَّلوا إليه . وقلنا : إن الدَّعْوى تثبُتُ لصاحبها إذا لم يَدّعِهَا أحد غيره لنفسه ، وهذه المسألة لم يدَّعها أحد ، فهي - إذن - ثابتة لله تعالى إلى أنْ يُوجَد مَنْ يدَّعي هذا الخَلْق لنفسه . وسبق أنْ مثَّلْنا لذلك بجماعة في مجلس فَقَد أحدهم محفظته فيه ، ولما انصرفوا وجدها صاحب البيت ، فسألهم عنها ، فلم يدَّعِها أحد منهم ، ثم اتصل به أحدهم يقول : إنها لي ، فلا شكّ أنها له حتى يوجد مُدَّعٍ آخر ، فنفصل بينهما . ثم يقول تعالى : { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } [ الفرقان : 2 ] فخَلْق الله تعالى ليس خَلْقاً كما اتفق ، إنما خَلْقه سبحانه بقَدَرٍ وحساب وحكمة ، فيخلق الشيء على قَدْر مهمته التي يُؤدِّيها لذلك قال في موضع آخر : { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ * وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } [ الأعلى : 2 - 3 ] .