Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 43-43)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحق - تبارك وتعالى - يضع لرسوله صلى الله عليه وسلم قضية ، هي أن الدين إنما جاء ليعصم الناس من أهواء الناس ، فلكُلِّ نفس بشرية هَوىً ، وكل إنسان يعجبه هواه ، وما دام الأمر كذلك فلن ينقاد لغيره لأن غيره أيضاً له هوىً لذلك يقول تعالى : { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ … } [ المؤمنون : 71 ] . لكن ، لماذا تختلف الأهواء ؟ قالوا : لأن طبيعة الحياة تتطلب أن تكون الأهواءُ مختلفةً لأن مجالات الحياة متعددة ، فهذا هواه في كذا ، وهذا هواه في كذا . فترى الصَّديقَيْن يلازم أحدهما الآخر ، ويشاركه طعامه وشرابه ، فلا يفرقهما شيء ، فإذا ما ذهبا لشراء شيء ما تباينتْ أهواؤهما ، كما أن هوىً مختلفاً يخدم هوىً مختلفاً ، فالذين اختلفوا مثلاً في تصميم الأشياء يخدمون اختلاف الأذواق والأهواء ، لذلك يقولون : خلاف هو عَيْن الوفاق ، ووفاق هو عَيْن الخلاف . وقد ضربنا لذلك مثلاً بسيطاً : هَبْ أنك دخلتَ مطعماً ، وأنت تفضل مثلاً ورك الدجاجة وغيرك كذلك يفضله ، وصادف أن في المطعم وركاً واحداً ، فلا شكَّ أنكما ستختلفان عليه . إذن : اتفقتما في الأول لتختلفا في الآخر ، لكن إن اختلفتْ رغباتكما ، فسوف ينتج عن هذا الاختلاف اتفاقٌ في النهاية ، فأنت ستأخذ الورك ، وغيرك سيأخذ الصدر ، فهذا - إذن - خلاف يؤدي إلى وفاق ، ووفاق يؤدي إلى خلاف . هنا يقول الحق سبحانه : { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ … } [ الفرقان : 43 ] الهَوَى . أن تكون هناك قضية ظاهرٌ فيها وَجْه الحق ، إلا أنك تميلُ عنه وأنت تعرفه ، لا أنك تجهله . لذلك يقول العلماء : آفةُ الرأْي الهوى . فالرأي قد يكون صائباً ، لكن يميل به الهوى حيث يريد الإنسان ، وقلنا : لا أدلّ على ذلك من أن الرجل منهم كان يسير فيجد حجراً أجمل من حَجره الذي يعبده ، فيَلْقى الإله الذي يعبده ليأخذ هذا الذي هو أجمل منه فيتخذه إلهاً ، إذن : هواه في جمال الحجر غلب أنه إله . وقد وقف المستشرقون عند قوله تعالى في حَقِّ النبي صلى الله عليه وسلم : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } [ النجم : 3 ] . يقولون : كيف يحكم الله بأن رسوله لم ينطق عن الهوى ، وقد عدَّل له بعض ما نطق به ، مثل قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ … } [ التحريم : 1 ] . وقال تعالى : { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ … } [ التوبة : 43 ] . ولا بُدَّ أن نُحدِّد مفهوم الهوى أولاً : أنت مدرك أن لديه قضيتين : الحق واضح في إحداهما ، إلا أن هواه يميل إلى غير الحق . إنه صلى الله عليه وسلم نطق لأنه لم تكن هناك قضية واقعة ، وهو يعرف وجه الحق فيها ، فهو - إذن - لم يَسِرْ على الهوى ، إنما على ما انتهى إليه اجتهاده . ألاَ ترى قوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم في مسألة تبنِّيه لزيد بن حارثة { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ … } [ الأحزاب : 5 ] فمعنى أن نسبته لأبيه أقسط أن رسول الله لم يكُنْ جائراً ، فما فعله قِسْط ، لكن فِعْل الله أقسط منه . فالحق - تبارك وتعالى - لم يُخطّىء رسوله صلى الله عليه وسلم ، وسمّى فِعْله عدلاً ، وهو عَدْل بشري يناسب ما كان من تمسُّك زيد برسول الله ، وتفضيله له على أهله ، فلم يجد رسول الله أفضلَ من أنْ يتبنَّاه مكافأةً له . ثم يقول سبحانه : { أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } [ الفرقان : 43 ] وكيلاً يتولَّى توجيهه ، ليترك هواه ويتبع الحق ، كما قال سبحانه في موضع آخر : { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } [ الغاشية : 22 ] وقال : { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ يونس : 99 ] وقال : { إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ … } [ الشورى : 48 ] . فالذي اتبع هواه حتى جعله إلهاً له لا يمكن أنْ تحمله على أنْ يعدل عن هواه لأن الأهواء مختلفة ، فالبعض يريد أنْ يتمتع بجهد غيره ، فيضع يده في جيوب الآخرين ليسرقهم ، لكن أيسرُّه أن يفعل الناسُ معه مثلَ فِعْله معهم ؟ إذن : هوى صادمَ هوى ، فأَيُّهما يغلب ؟ يغلب مَنْ يحكم بلا هوى ، لا لك ولا عليك ، وقضية الحق في ذاتها لا توجد إلا من الله تعالى . ثم يقول الحق سبحانه : { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ … } .