Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 44-44)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَسْمَعُونَ … } [ الفرقان : 44 ] أي : سماع تعقُّل وتدبُّر ، فلو سَمعُوا وعَقِلوا ما وصلتْ بهم المسائل إلى هذا الحدِّ { إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ … } [ الفرقان : 44 ] مع أن الأنعام مُسخَّرة وتُؤدِّي مهمتها ولم تمتنع عن شيء خُلِقَتْ له ، فقد شبَّههم الله بالأنعام لأن الأنعام لا يُطلب منها أن تسمع الهداية لأنها مُسخَّرة ، والذي يُطلب منه السماع والهداية هو المخيِّر بين أن يفعل أو لا يفعل . كأن الحق سبحانه يقول : أتظن أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ؟ وكلمة { أَكْثَرَهُمْ … } [ الفرقان : 44 ] تدل على أن بعضهم يسمع ويعقل ، وهذا من قانون الاحتمال ، فكثير من كفار قريش ناصبوا رسول الله العداء ، وانتهى الأمر بهم إلى أَنْ أسلموا وحَسُن إسلامهم ، إذن : كان فيهم مَنْ يسمع ، ومَنْ يفكر ويعقل لذلك قال : { أَكْثَرَهُمْ … } [ الفرقان : 44 ] ليحمي هذا الحكم ، وليحتاط لما سيقع من إيمان هؤلاء البعض ، هذا دِقَّة في تحرِّي الحقيقة . وسبق أنْ ذكرنا ما كان من أسف المؤمنين حين يفوتهم قَتْل أحد صناديد الكفر في المعركة ، فكانوا يألمون لذلك أشدَّ الألم ، وهم لا يدرون أن حكمة الله كانت تدخرهم للإيمان فيما بعد ، ومنهم خالد ابن الوليد الذي أصبح بعد ذلك سيف الله المسلول . والأنعام قُلْنا : لا دخلَ لها في مسألة الهداية أو الضلال لأنها مُسخَّرة لا اختيارَ لها لذلك ضرب الله بها المثل لليهود : { كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً … } [ الجمعة : 5 ] فالحمار مهمته أنْ يحمل فحسب ، أمّا أنت أيها اليهودي فمهمتك أن تحمل وتطبق ، الحمار لا يطبق لأنه لم يُطلب منه ذلك ، مع أن الحيوان يعرف صاحبه ويعرف طعامه ومكان شرابه ، ويعرف طريقه ومكان مبيته ، حتى أن أحدهم مات على ظهر جواده ، فسار به الجواد إلى بيته . إذن : فالأنعام تفهم وتعقل في حدود المهمة التي خلقها الله لها ، ولا تُقصِّر في مهمتها ، أما المهمة الدينية فتعلمها في باطن الأمر ، لكن لا يُطلَب منها شيء الآن ، لأنها انتهتْ من هذه المسألة أولاً ، كما قال سبحانه وتعالى : { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } [ الأحزاب : 72 ] ؟ فاختاروا أن يكونوا مُسيَّرين بالغريزة محكومين بها ، إذن : فلهم اختيار ، لكن نفّذوا اختيارهم جملةً واحدة من أول الأمر . خُذْ مثلاً الهدهد وهو من المملوكات التي سخّرها الله لسليمان - عليه السلام - يقول له : { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } [ النمل : 22 ] أيُّ ديمقراطية هذه التي تمتَّع بها الهدهد مع سليمان . ؟ ! إذن : فحتى الحيوانات تعرف هذه القضية ، وإنْ لم يُطلَب منها شيء ، والحيوانات لا يمكن أنْ تفعل شيئاً إلا إذا كان منوطاً بغرائزها وفي مقدورها . وسبق أنْ ضربنا مثلاً بالحمار ، إذا أردتَ منه أن يقفز فوق جدول ماء فإنه ينظر إليه ، فإنْ كان في مقدوره قفزَ ، وإنْ كان فوق مقدوره تراجَع ، ولا يمكن أنْ يُقدِم مهما ضربته لأنه علم بغريزته أنه فوق إمكاناته ، أما الإنسان فقد يُقدِم على مثل هذا دون حساب للإمكانات ، فيُوقع نفسه فيما لا تُحمد عقباه . ثم يقول الحق سبحانه : { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ … } .