Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 68-68)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهنا قد يسأل سائل : أبعد كل هذه الصفات لعباد الرحمن ننفي عنهم هذه الصفة { لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ … } [ الفرقان : 68 ] وهم مَا اتصفوا بالصفات السابقة إلا لأنهم مؤمنون بالإله الواحد سبحانه ؟ قالوا : هذه المسألة عقيدة وأساس لا بُدَّ للقرآن أن يكررها ، ويهتم بالتأكيد عليها . ومعنى : { لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ … } [ الفرقان : 68 ] أي : لا يدعون أصحاب الأسباب لمسبِّباتهم ، وهذا هو الشرك الخفيّ . ومنه قولهم : توكلتُ على الله وعليك . فنقول له ، انتبه ليس عليَّ شيء ، الأمر كله على الله . فقُلْ : توكلت على الله . وإنْ أردتَ فقُلْ : ثُمَّ عليك . ونسمع آخر يقول للأمر الهام : هذا عليَّ ، والباقي على الله ، فجعل الأصل المهم لنفسه ، وأسند الباقي لله ، أيليق هذا والمسألة كلها أصلها وفروعها على الله ؟ إذن : يمكن أن تكون هذه الآية للمفتونين في الأسباب الذين ينتظرون منها العطاء ، وينسْونَ المسبِّب سبحانه ، وهذا هو الشرك الخفي . ثم يقول سبحانه : { وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ … } [ الفرقان : 68 ] سبق أنْ تحدثنا عن الفرق بين الموت والقتل ، وقلنا : إن كليهما تذهب به الحياة ، لكن في الموت تذهب الحياة أولاً ، ثم تُنقض البنية بعد ذلك ، أما في حالة القتل فتُنقض البنية أولاً ، ثم يتبعها خروج الروح . فالموت - إذن - بيد الله عز وجل ، أما القتل فقد يكون بيد البشر . وهنا نَهْى صريح عن هذه الجريمة لأنه " ملعون مَنْ يهدم بنيان الله " ويقضي على الحياة التي وهبها الله تعالى لعباده . وقوله تعالى : { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ … } [ الفرقان : 68 ] أي : حق يبيح القتل كرَجْم الزاني حتى الموت ، وكالقصاص من القاتل ، وكقتْل المرتد عن دينه ، فإنْ قتلْنا هؤلاء فقتلُهم بناء على حَقٍّ استوجب قتلهم . فإن قال قائل : فأين حرية الدين إذن ؟ نقول : أنت حر في أن تؤمن أو لا تؤمن ، لكن اعلم أولاً أنك إنْ ارتددتَ عن إيمانك قتلناك ، فإياك أنْ تدخل في ديننا إلا بعد اقتناع تام حتى لا تُعرِّض نفسك لهذه العاقبة . وهذا الشرط يمثِّل عقبة وحاجزاً أمام مَنْ أراد الإيمان ويجعله يُفكّر ملياً قبل أن ينطق بكلمة الإيمان ويحتاط لنفسه ، إذن : فربُّكَ عز وجل يُنبِّهك أولاً ، ويشترط عليك ، وليس لأحد بعد ذلك أن يقول : أين حرية الدين ؟ وقوله تعالى : { وَلاَ يَزْنُونَ … } [ الفرقان : 68 ] تحدثنا عن هذه المسألة في أول سورة النور وقلنا : إن الإنسان الذي كرَّمه الله وجعله خليفة له في أرضه أراد له الطُّهْر والكرامة ، وإنْ يسكن الدنيا على مقتضى قانون الله ، فلا يُدخِل في عنصر الخلافة شيئاً يخالف هذا القانون لأن الله تعالى يريد أن يبنى المجتمع المؤمن على الطُّهْر ويبنيه على عناية المربِّي بالمربَّى . لذلك تجد الرجل يعتني بولده مطْعماً ومشرباً وملبساً ويفديه بنفسه ، لماذا ؟ لأنه ولده من صُلْبه ومحسوب عليه ، أمّا إنْ شكَّ في نسب ولده إليه فإنه يُهمله ، وربما فكّر في الخلاص منه ، وإنْ رُبِّي مثل هذا رُبِّي لقيطاً لا أصلَ له ، وهذا لا يصلح لخلافة الله في أرضه ، ولا لأن يحمل هذا الشرف . وهذا يدل على أن الفطرة السليمة تأبى أنْ يوجد في كون الله شخص غير منسوب لأبيه الحق ، من هنا نهى الإسلام عن الزنا ، وجعل من صفات عباد الرحمن أنهم لا يزنون . { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } [ الفرقان : 68 ] أثاماً مثل : نكالاً وَزْناً ومعنىً ، والآثام : عقوبة الإثم والجزاء عليه .