Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 181-182)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الكيل : آلة تُقدّر بها الأشياء التي تُكال ، ووحدته : كَيْلة أو قَدح أو أردب . والميزان كذلك : آلة يُقدَّر بها ما يُوزَن . ومعنى { وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُخْسِرِينَ } [ الشعراء : 181 ] المخسِر : هو الذي يتسبب في خسارة الطرف الآخر في مسألة الكيل ، بأن يأخذ بالزيادة ، وإنْ أعطى يُعطِي بالنقصان . وفي الوزن قال { بِٱلْقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ } [ الشعراء : 182 ] . والقسطاس : يعني العدل المطلق في قدرة البشر وإمكاناتهم في تحرِّي الدّقّة في الوزن ، مع مراعاة اختلاف الموزونات ، فوزن الذهب غير وزن التفاح مثلاً ، غير وزن العدس أو السمسم ، فعليك أنْ تتحرّى الدقة قَدْر إمكانك ، لتحقق هذا القسطاس المستقيم . لكن ، لماذا خصَّ الكيل والوزن من وسائل التقدير والتقييم ، ولم يذكر مثلاً القياس في المساحات والمسافات بالمتر أو بالذراع ؟ قالوا : لأن الناس قديماً - وكانت أمماً بدائية - لا تتعامل فيما يُقاس ، فلا يشترون القماش مثلاً : لأنه يُغزل ، تغزله النساء ويغزله الرجال ، ولم يكُنْ أحد يغزل لأحد أو يبيع له ، فهذه صورة حضارية رأيناها فيما بعد . وقديماً ، كان الناس يتعاملون بالتبادل والمقايضة ، وفي هذه الحالة لا يوجد بائع على حِدَة ولا مُشْترٍ على حِدَة ، فلا يتفرد البائع بالبيع ، والمشتري بالشراء ، إلا في حالة مبادلة السلعة بثمن ، كما قال تعالى : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ … } [ يوسف : 20 ] أي : باعوه . أما في حالة المقايضة ، فأنت تأخذ القمح تأكله ، وأنا آخذ التمر آكله ، فالانتفاع هنا انتفاع مباشر بالسلعة ، فإنْ قدَّرْتَ أن كل واحد في الصفقة بائع ومشترْ . تقول : شَرَى وباع . وإنْ قدَّرْت الأثمان التي لا ينتفع بها انتفاعاً مباشراً كالذهب والفضة ، أو أي معدن آخر ، وهذه الأشياء لا تؤكل فهي ثمن ، أمّا الأشياء الأخرى فصالحة أنْ تكون سلعة ، وصالحة لأنْ تكون ثمناً . وقد أفرد القرآن الكريم سورة مخصوصة لمسألة الكيل والميزان هي " سورة المطففين " ، يقول سبحانه : { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } [ المطففين : 1 - 3 ] . نقول : كال له يعني : أعطاه ، واكتال عليه يعني : أخذ منه . فإن أخذ أخذ وافياً ، وإنْ أعطى أعطى بالنقص والخسارة . والقرآن لا ينعى عليه أن يستوفى حقّه ، لكن ينعى عليه أن ينقص من حَقِّ الآخرين ، ولو شيئاً يسيراً . فمعنى المطففين من الشيء الطفيف اليسير ، فإذا كان الويل لمن يظلم في الشيء الطفيف ، فما بال مَنْ يظلم في الكل ؟ فاللوم هنا لمَنْ يجمع بين هذين الأمرين : يأخذ بالزيادة ويُعطي بالنقص ، أما مَنْ يعطي بالزيادة فلا بأس ، وجزاؤه على الله ، وهو من المحسنين الذين قال الله فيهم : { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ … } [ التوبة : 91 ] . ومع تطور المجتمعات بدأ الناس يهتمُّون بقياس دقة آلات الكيل والوزن والقياس ، فَوُجِدت هيئات متخصصة في معايرتها والتفتيش عليها ومتابعة دِقّتها لأنها مع مرور الزمن عُرْضة للنقص أو الزيادة ، فمثلاً سنجة الحديد - التي نزن بها قد تزيد إنْ كانت في مكان بحيث تتراكم عليها الزيوت والتراب ، وقد تنقص بالحركة مع مرور الوقت ، كما تنقص مثلاً أكرة الباب من كثرة الاستعمال ، فتراها لامعة ، ولمعانها دليل النقص ، وإنْ كان يسيراً . وفي فرنسا ، نموذج للياردة وللمتر من معدن لا يتآكل ، جُعِلَتْ كمرجعٍ يُقاس عليه ، وتُضبط عليه آلات القياس . ورأينا الآن آلاتٍ دقيقة جداً للوزن وللقياس ، تضمن لك منتهى الدقة ، خاصة في وزن الأشياء الثمينة لذلك نراهم يضعون الميزان الدقيق في صندوق من الزجاج ، حتى لا تُؤثِّر فيه حركة الهواء من حوله . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ … } .