Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 69-69)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

جاءت هذه الآية بعد الانتهاء في إيجاز مُبسّط لقصة موسى عليه السلام مع فرعون ، وخُتمت بقوله تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } [ الشعراء : 67 - 68 ] . ثم تكلم الحق سبحانه عن نبيه إبراهيم عليه السلام { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ } [ الشعراء : 69 ] مما يدل على أن المسألة في القرآن ليست سَرْداً للتاريخ ، فإبراهيم كان قبل موسى ، ولو أردنا التأريخ لجاءت قصة إبراهيم أولاً ، إنما الهدف من القصص في القرآن التقاط مواضع العِبْرة والعِظَة واتخاذ الأُسوة من تاريخ الرسل ، ليُثبِّت الله بها فؤاد رسوله صلى الله عليه وسلم حينما يواجه الأحداث الشاقة والعصيبة . والمتأمل في رسالة موسى ورسالة إبراهيم عليهما السلام يجد أن موسى جاء ليعالج مسألة هي قمة العقيدة ، ويواجه مَنِ ادّعى الألوهية وقال : إني إله من دون الله ، أما إبراهيم فقد عالج مسألة الشرك مع الله وعبادة الأصنام ، فعندهم طَرَف من إيمان ، بدليل أنهم إذا ضيّقنا عليهم الخناق قالوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ … } [ الزمر : 3 ] . لذلك كانت قصة موسى أَوْلَى بالتقديم هنا . ومعنى : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ … } [ الشعراء : 69 ] أي : اقرأ ، أو وضِّح ، أو عبِّر ، ونقول للقراءة تلاوة لأنه لا يُتلَى إلا المكتوب المعلوم المفهوم { عَلَيْهِمْ … } [ الشعراء : 69 ] على أمة الدعوة كلها ، أَمْ على المكذبين خاصة ؟ قالوا : على المكذِّبين خاصة لأن المصدِّقين برسول الله لا يحتاجون هذه التلاوة ، وإنْ تُليَتْ عليهم فإنما التلاوة للتذكرة أو لعلم التاريخ . إذن : المراد هنا المكذِّبون المنكرون ليعلموا أن نهاية كل رسل الله في دعوتهم النصر والغلبة ، وأن نهاية المكذبين المخالفين الهزيمة والاندحار . فكأن القرآن يقول لهم : لا تغتروا بقوتكم ، ولا بجاهكم ، ولا تنخدعوا بسيادتكم على العرب ، ومعلوم أن مكانة قريش بين العرب إنما أخذوها من خدمة بيت الله الحرام ، وما أَمِنُوا في طرق تجارتهم إلاَّ بقداسة بيت الله وحُرْمته . ولولا البيت ما كان لقريش كل هذه المكانة ، بدليل قوله تعالى : { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } [ قريش : 1 - 2 ] . ولو انهدم البيت في قصة الفيل ما كان لقريش سيادة ولا سيطرة على الجزيرة العربية ، وما دام أن الله تعالى فعل معهم هذا { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ * ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } [ قريش : 3 - 4 ] . ومعنى { نَبَأَ … } [ الشعراء : 69 ] أي : الخبر الهام الذي يجب أنْ يُقال ، ويجب أنْ يُنصتَ له ، وأنْ تُؤخَذ منه عِبْرة وعِظة ، فلا يُقال نبأ للخبر العادي الذي لا يُؤبَهُ له . ولو تتبعتَ كلمة نبأ في القرآن لوجدتها لا تُقَال إلا للأمر الهام ، كما في قوله تعالى : { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } [ النبأ : 1 - 2 ] . وقوله تعالى في قصة سليمان عليه السلام والهدهد : { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } [ النمل : 22 ] . إذن : { نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ } [ الشعراء : 69 ] يعني : الخبر الهام عنه . وإبراهيم هو أبو الأنبياء الذي مدحه ربه مدحاً عظيماً في مواضع عدة من القرآن ، فقال الحق سبحانه عنه : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً … } [ النحل : 120 ] . والأمة لا تُطلَق إلا على جماعة تنتسب إلى شيء خاص ، ويجمعهم مكان وزمان وحال . كذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد أضفى الله عليه كمالات من صفات كماله لا يستطيع بشر أن يتحملها . لذلك جاء في الحديث الشريف : " الخير فِيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة " . الخير فيَّ حصراً ، الخير على عمومه ، وفي كل جوانب شخصيته : داعيةً وأباً وزوجاً … الخ وخصال الخير من شجاعة ، وحِلْم ، وعِلْم ، وكرم … إلخ . وكذلك الخير في أمتي منثورٌ بين أفرادها ، يأخذ كل منهم من الخير بطرف ، وله منه نصيب ، لكن لا أحدَ يستطيع أن يجمع الكمال المحمدي أبداً ، ولا أن يتصف به . كذلك كان سيدنا إبراهيم عليه السلام أمة لأن خصال الخير تُوزَّع على أفراد الأمة : هذا ذكى ، وهذا حليم ، وهذا عالم ، وهذا حكيم … الخ أما إبراهيم - عليه السلام - فقد جمع من الخير ما في أمة بأكملها ، وهذا ليس كلاماً يُقَال في مدح نبي الله إبراهيم ، إنما من واقع حياته العملية . واقرأ إنْ شئتَ قوله تعالى عن إبراهيم : { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً … } [ البقرة : 124 ] . وحَسْب إبراهيم - عليه السلام - من الخير هذه الدعوة : { رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ … } [ البقرة : 129 ] . فكان محمد صلى الله عليه وسلم دعوة أبيه إبراهيم .