Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 62-62)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يجيب الإجابة هي تحقيق المطلوب لداعيه ، والمضطر : هو الذي استنفد الأسباب ، وأخذ بها فلم تُجْدِ معه ، فليس أمامه إلا أنْ يترك الأسباب إلى المسبِّب سبحانه فيلجأ إليه ذلك لأن الخالق - عز وجل - قبل أنْ يخلق الإنسان خلق له مُقوِّمات حياته وضرورياتها وسخَّرها لخدمته . لذلك جاء في الحديث القدسي : " يا ابن آدم خلقت الأشياء كلها من أجلك ، وخلقتك من أجلي فلا تنشغل بما هو لك عما أنت له " . ثم خلق الله لك الطاقة التي تستطيع أن تُسخِّر بها هذه الأشياء وضمن لك القوت الضروري من ماء ونبات ، فإنْ أردتَ أنْ تُرفِّه حياتك فتحرك في الحياة بالأسباب المخلوقة لله ، وبالطاقة الفاعلة فيك ، وفكِّر كيف ترتقي وتُثرِي حركة الحياة من حولك . فالماء الذي ينساب في داخل البيت حين تفتح الصنبور ، والضوء الذي ينبعث بمجرد أن تضغط على زر الكهرباء ، والسيارة التي تنقلك في بضع دقائق … كلها ارتقاءات في حركة حياة الناس لما أعملوا عقولهم فيما أعطاهم الله من مادة وعقل وفكر وأسباب ، وهذه كلها يد الله الممدودة لعباده ، والتي لا ينبغي لنا ردّها . فإذا ما حاولتَ ولم تفلح ، ولم تثمر معك الأسباب ، فعليك أنْ تلجأ مباشرة إلى المسبِّب سبحانه ، لأنه خالقك والمتكفِّل بك . واقرأ قوله تعالى : { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً … } [ يونس : 12 ] ويا ليته ساعةَ دعا ربه ولجأ إليه فاستجاب له يجعل له عند ربه رَجْعة ، ويتوقع أنْ يصيبه الضُّر مرة أخرى لكن إنْ كشف الله عنه سرعان ما يعود كما كان . { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ يونس : 12 ] . { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ } [ النمل : 62 ] فالمضطر إذن لابدَّ أنْ يُجيبه الله ، فمَنْ قال : دعوتُ فلم يُستجب لي . فاعلم أنه غير مضطر ، فليست كل ضائقة تمرُّ بالعبد تُعَدُّ من قبيل الاضطرار ، كالذي يدعو الله أن يسكن في مسكن أفضل مما هو فيه ، أو براتب ودَخْل أوفر مما يأخذه … الخ ، كلها مسائل لا اضطرارَ فيها ، وربما علم الله أنها الأفضل لك ، ولو زادك عن هذا القدر طغيتَ وتكبرتَ . كما قال الحق سبحانه وتعالى : { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [ العلق : 6 - 7 ] . فلقد طلبتَ الخير من وجهة نظرك ، وربُّك يعلم أنه لا خيرَ فيه { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } [ الإسراء : 11 ] . فربُّك يُصحِّح لك هذا الخطأ في فهمك للمسائل فيقول لك : سأحقق لك الخير ، لكن بطريقة أخرى أنسب من هذه ، فلو أجبتُك إلى ما تريد لحدث مَا لا تُحمد عقباه ، وكأن الله - عز وجل - وهو ربُّنا والمتولِّي أمرنا يجعل على دعائنا كنترول ولو كان الله سبحانه موظفاً يلبي لكل مِنّا طلبه ما استحق أن يكون إلهاً - حاشا لله . فالإنسان من طبيعته العجلة والتسرع ، فلا بُدَّ للرب أن يتدخل في أقدار عبده بما يصلحه ، وأنْ يختار له ما يناسبه لأنه سبحانه الأعلم بعواقب الأشياء وبوقتها المناسب ، ولكل شيء عنده تعالى موعد وميلاد . واقرأ قول الله تعالى : { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ … } [ يونس : 11 ] . أَلاَ ترى بعض الأمهات تحب الواحدة ولدها وتشفق عليه ، فإنْ عصاها في شيء أو ضايقها تقول رافعةً يديها إلى السماء إلهي أشرب نارك أو إلهي أعمى ولا أشوفك فكيف لو أجاب الله هذه الحمقاء ؟ إذن : من رحمته تعالى بنا أنْ يختار لنا ما يُصلِحنا من الدعاء ، ويُعافينا من الحمق والعجلة . وقوله تعالى : { وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ } [ النمل : 62 ] فكما أنه لا يجيب المضطر إلا الله لا يكشف السوء إلا الله ، ولو كان هناك إله آخر يجيب المضطر ويكشف السوء لتوجَّه الناسُ إليه بالدعاء ، لكن حينما يُصاب المرء لا يقول إلا يا رب ، ولا يجد غير الله يلجأ إليه لأنه لن يغشَّ نفسه في حال الضائقة أو المصيبة التي ألمت به . وقد مثَّلنا لذلك - ولله المثل الأعلى - بحلاق الصحة في الماضي ، وكان يقوم بعمل الطبيب الآن ، فلما أنشئت كلية الطب وتخرَّج فيها أحد أبناء القرية اتجهتْ الأنظار إليه ، فكان الحلاق يذمُّ في الطب والأطباء ، وأنهم لا خبرةَ لديهم لتبقى له مكانته بين أهل القرية ، لكن لما مرض ابن الحلاق ماذا فعل ؟ إنْ غشَّ الناس فلن يغشَّ نفسه : أخذ الولد في ظلام الليل ولفّه في البطانية ، وذهب به إلى الدكتور الجديد . لذلك يقول كل مضطر وكل مَنْ أصابه سوء : يا رب يا رب حتى غير المؤمن لا بُدَّ أن يقولها ، ولا بُدَّ أنْ يتجه بعينه وقلبه إلى السماء إلى الإله الحق ، فالوقت جِدّ لا مساومة فيه . ويقول تعالى بعدها : { وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ … } [ النمل : 62 ] أي : يخلفُ بعضكم بعضاً فيها ، كما قال : { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ … } [ النور : 55 ] . فهل يملك هذه المسائل إلا الله : { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ } [ النمل : 62 ] والاستفهام هنا ينكر وجودَ إله غير الله يفعل هذا { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } [ النمل : 62 ] يعني : لو تفكرتُم وتذكرتُم لعرفتم أنه لا إله إلا الله . ثم يقول الحق سبحانه : { أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ … } .