Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 63-63)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه أيضاً من الأمور الخاصة التي تخصُّ بعض الناس دون بعض ، وكانت قبل تقدُّم العلم ، حيث كانت النجوم هي العلامات التي يهتدي بها الملاحون في البحر والمسافرون في البر { وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } [ النحل : 16 ] . وقد برع في علوم الفلك والنجوم وفي علوم البحار علماء من العرب وضَعُوا أُسساً لهذه العلوم ، لا عن علم عندهم ، إنما عن مشاهدة لظواهر الكون ، وتوفيق وهداية من الله عز وجل . وحين نتأمل ارتقاءات الإنسان في الحياة نجد أنها نتيجة مشاهدة حدثتْ صدفة ، أو حتى بطريق الخطأ ، وإلا فكيف اهتدى الإنسان إلى تخمير العجين ليخرج الخبز على هذه الصورة وبهذا الطعم ؟ لذلك يُسمُّون العجين : فطير وهو المبلط الذي لم يتخمر ، وخمير وهو الذي تخمَّر وارتفع قليلاً وتخلّله الهواء . وقد نقلوا هذه المعنى للرأي ، يقولون : فلان رأيه فطير يعني : سطحي متعجل ، وفكرة مختمرة يعني : مدروسة بتأنٍّ ، ومنه الفِطْرة يعني الشيء حين يكون على طبيعته . وربما اكتشفتْ إحدى النساء مسألة الخمير هذه نتيجة خطأ أو مصادفة حين عجنتْ العجين ، وتأخرت في خَبْزه حتى خمر ، فلما خبزته جاء على هذه الصورة المحببة إلينا ، كذلك الأمر في اكتشاف البنسلين مثلاً ، والغواصات والبخار والعجلة … الخ . وتأمل مثلاً : لماذا نطبخ الملوخية ولا نطبخ النعناع ، إنها - إذن - هداية الله الذي خلق فسوَّى ، والذي قدَّر فهدى . الحديد تعلمنا طَرْقه بعد إدخاله النار ليلين لأن الله تعالى علمها لنبيه داود عليه السلام حين قال { وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } [ سبأ : 10 ] . إذن : كثير من اكتشافات الكون وارتقاءاته تأتي بهداية الله ، وكلما مرَّ الزمن تكشفتْ لنا أسرار الكون ، كلّ في ميعاده وميلاده الذي أراده الله ، إما أنْ يستنبطه الناس بمقدمات إذا جاء ميلاده ، وإلا فيأتي ولو مصادفة . واقرأ إن شئت قوله تعالى : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ … } [ البقرة : 255 ] فحين يشاء الله يكشف لك الأشياء ، ويُيسر لك أسبابها ، فإذا لم تنتبه لها أراكها مصادفة ، ومن وسائل إعلام الله لخَلْقه مثلاً أهل البوادي ، ترى الواحد منهم متكئاً ينظر إلى السماء ويقول لك : السماء ستمطر بعد كم من الساعات ، وليس في السماء سحاب ولا غَيْمٌ يدل على المطر ، لكنه عرفها بالاستقراء والتجربة . ومن هذه الهداية الإلهية أن ترى البهائم العجماوات وهي تأكل بالغريزة ، تأكل الحشيش الجاف ، ولا تأكل مثلاً النعناع الأخضر ، أو الريحان مع أن رائحته جميلة ، لماذا ؟ لأنه جُعِل للرائحة الطيبة ، لكن طعمه غير طيب ، وإذا أكل الحيوان وشبع لا يمكن أن يأكل بعدها أبداً على خلاف الإنسان الذي يأكل حتى التخمة ، ثم الحلو والبارد والساخن ، ويقولون أَرِهَا الألوان تريك الأركان . أي : أَرِ معدتك ألوان الطعام وأصنافه ، تريك الأركان الخالية فيها . لذلك تجد رائحة رَوَث الحيوان أقلّ كراهية من رائحة فضلات الإنسان لأنها تأكل بالغريزة التي خلقها الله فيها ، ونحن نأكل بالشهوة ، وبلا نظام نلتزم به . وقوله تعالى : { وَمَن يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً … } [ النمل : 63 ] أي : مُبشِّرات بالمطر { بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ … } [ النمل : 63 ] والمطر مظهر من مظاهر رحمة الله { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ … } [ النمل : 63 ] أي : لا إله إلا الله يهديكم في ظلمات البر والبحر ، ولا إله إلا الله يرسل الرياح تبشركم بالمطر { تَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ النمل : 63 ] تنزَّه أن يكون له في كَوْنه شريك . ثم يقول الحق سبحانه : { أَمَّن يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ … } .