Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 11-11)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قُصِّيه : يعني : تتبعي أثره ، وراقبي سيره إلى إين ذهب ؟ وماذا فُعِل به ؟ وحين سمعت الأخت هذا الأمر سارعتْ إلى التنفيذ لذلك استخدم الفاء الدالة على التعقيب وسرعة الاستجابة { فَبَصُرَتْ بِهِ } [ القصص : 11 ] ولم يقُلْ : فقصَّته لأن البصر وإنْ كان بمعنى الرؤية إلا أنه يدل على العناية والاهتمام بالمرئي . ومعنى : { عَن جُنُبٍ … } [ القصص : 11 ] من ناحية بحيث لا يراها أحد ، ولا يشعر بتتبعها له ، واهتمامها به . ومن ذلك ما حكاه القرآن من قول السامري : { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ … } [ طه : 96 ] أي : رأى من حيث لا يطَّلِع أحد عليه . ونلحظ هنا أن أخت موسى أخذتْ الأمر من أمها { قُصِّيهِ … } [ القصص : 11 ] فقط ولم تلفت نظرها إلى هذا الاحتياط { عَن جُنُبٍ … } [ القصص : 11 ] مما يدلُّ على ذكاء الفتاة وقيامها بمهمتها على أكمل وجه ، وإن لم تُكلَّف بذلك ، وهذا من حكمة المرسَل الحريص على أداء رسالته على وجهها الصحيح . ما أجملَ ما قاله الشاعر في هذا المعنى : @ إذَا كُنْتَ في حَاجةٍ مُرْسِلاً فأَرسِلْ حَكيماً ولاَ تُوصِهْ @@ وقوله تعالى : { عَن جُنُبٍ … } [ القصص : 11 ] يظن البعض أن جنب يعني قريب مني ، وهذا غير صحيح لأن معنى الجنب ألاَّ تكون في مواجهتي ، لذلك يقول تعالى : { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ … } [ النساء : 36 ] إذن : الجار الجنب مقابل الجار القريب ، فمعناه الجار البعيد . فكأن الفتاة حين ذهبت لتتبع سَيْر التابوت أخذتْ مكاناً بعيداً منه ، حتى لا يفطن أحد إلى متابعتها له . ومن ذلك قولنا : فلان تجنّبني ، أو فلان واخد جنب مني أي : يبتعد عني ، إذن : البعض يفهم هذه الكلمة على عكس مدلولها . ألاَ ترى لقول إبراهيم عليه السلام : { وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ … } [ إبراهيم : 35 ] وقوله تعالى : { وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } [ الحج : 3 ] فالاجتناب يعني : الابتعاد . وفي تحريم الخمر قال تعالى : { إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ … } [ المائدة : 90 ] فطلع علينا مَنْ يقول : هذا ليس نصاً في التحريم ، لأنه لم يقُلْ حرَّمْت عليكم ، فهي مجرد موعظة ونصيحة . ونقول : لو فهمت معنى { فَٱجْتَنِبُوهُ … } [ المائدة : 90 ] لعلمتَ أنها أقوى في التحريم من حرمت عليكم لأن معنى حرَّمتْ عليكم الخمر يعني : لا تشربوها ، أما { فَٱجْتَنِبُوهُ … } [ المائدة : 90 ] يعني : ابتعدوا عنها كليةً شُرْباً أو بَيْعاً ، أو شراء ، أو نقلاً ، أو حتى الجلوس في مجالسها . ثم تتحدث الآيات بعد ذلك عن تمهيدات الأقدار للأقدار ، فتقول : { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ … } .